يراود الطفلة السورية بانا العبد (7 سنوات) الأملُ العنيد بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب سليبّي دعوتها بأن ينقذ أطفال سورية من المذابح والتهجير، وأن تتمكن بانا وأقرانها من اللعب بحريّة، في باحات منزلها الخارجية بمدينة حلب من دون أن تصطادهم طائرات الموت أو البراميل المتفجّرة.
وفي اللحظة التي كانت تخطّ فيها بانا رسالتها، التي نشرتها على حسابها في «تويتر» قبيل تنصيب ترامب، كان مئات الأطفال في سورية يفقدون أطرافهم، ما يجعل حلمهم باللهو البريء في الفناءات الخارجية عديم التحقق، وترفاً لا طائل منه، «بسبب أخطاء البالغين» كما قالت بانا لترامب.
وذكرت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أنّ أكثر من 2000 طفل سوري قتلوا في 2016. أما العدد الإجمالي للأطفال السوريين القتلى، منذ بداية الحرب، فبلغ أكثر من 150 ألفاً!
ويعوّل السوريون المنفيّون والمقتلعون من الجغرافيا النفسية لبلادهم، سواء كانوا في الخارج أم في الداخل، على ترامب، كما عوّلوا من قبل على أوباما، لكنّ النتيجة كانت عدماً محضاً، بل خسارات فادحة متراكمة مكّنت «الرئيس» القاتل من مدّ نطاق هيمنته على مناطق لم يكن هو وجيشه من «حماة الديار!» يحلمون يوماً في أن تطأها أقدامهم، لولا الدعم غير المحدود للعساكر والطائرات الروسية، والميليشيات الإيرانية، والعصابات التي حملت أكثر من ثلاثين راية وعُصبة.
بانا، التي تعيش الآن في تركيا بعد أن وصلت إليها في أعقاب هزيمة الثوّار الإرغاميّة في حلب، خاطبت ترامب بطفولة مدهشة: «في حلب، كنت أذهب للمدرسة، ولكن سرعان ما تم تدميرها بسبب القصف، وتوفي بعض من أصدقائي أيضاً، أنا حزينة جداً لهم، وأتمنى لو أنهم كانوا معي الآن، لأننا سوف نلعب معاً، فأنا لم أكن أستطيع اللعب في حلب، فهي أصبحت مدينة الموت».
وكأنها تخاطب ندّاً لها، قالت بانا لترامب: «السلام مهم جداً لنا جميعاً، بمن فيهم أنتَ (…). يجب عليك أن تفعل شيئاً من أجل أطفال سورية، لأنهم مثل أطفالك ويستحقون السلام مثلكَ».
وختمت الطفلة التي تلقّب بـ «الأيقونة الحلبيّة»: «أعلم أنك ستكون رئيس الولايات المتحدة، لذا فهل يمكنك إنقاذ الأطفال والشعب في سورية من فضلك؟ (…) إذا وعدتني بفعل شيء لأطفال سورية، فسأكون صديقة جديدة لك».
وتحيل هذه الكلمات المضمّخة بالألم ومرارة الأمل، إلى صورة الطفل السوري أيلان كردي، البالغ من العمر 3 سنوات التي هزّت ضمير العالم في أيلول (سبتمبر) 2015، بعدما توفي غرقاً برفقة شقيقه غالب (5 سنوات)، وأمه ريحان (35 سنة)، إثر انقلاب قاربهم أثناء محاولتهم الوصول إلى جزيرة كوس اليونانية، في رحلتهم الأوديسيّة إلى كندا.
كان الطفل بقميصه الأحمر وبنطاله الأزرق وحذائه الجديد مُلقى على وجهه على أحد الشواطئ التركية، وكانت سنواتُه الثلاث المهدورة في موت تراجيديّ كالذي عاناه، كفيلةً بأنّ تُضرم السّهاد والأرق في عيون الضمير الكونيّ الذي تعوّل عليه «الأيقونة الحلبية»، لكنّ الألم تمادى، والرصاص «طرّز» كل نبض حيّ لم يتمكن من الهرب، وانتصر الموت!
فعلى من تقرأين مزاميرَك يا بانا؟!
المصدر : الحياة