ليس تقليد النعامة في دفن الرأس في الرمال مفيدا. لكن رؤية العواصف التي تهب على المنطقة والذهاب الى اللطم مسبقا هو أيضا غير مفيد. في حال لبنان، يقول وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري لكاتب هذه السطور أن هذا البلد”مستقر”. والعامل المؤثر الذي يحظى بإجماع دولي، حسب معلومات الوزير هو ان أصحاب القرار على المسرح العالمي ينظرون الى لبنان من زاوية أنه بلد عانى ما عاناه من حروب وزادت مع وصول مليون ونصف نازح سوري الى أراضيه وبالتالي لا يريد المجتمع الدولي “أن يرى قوارب النازحين تتجه الى قبرص واليونان وإيطاليا”.
الى أي مدى يمكن قبول هذا التقدير وفوق أراضيه ليس اللاجئون السوريون فقط بل مشروع إيران الذي يجسده سلاح “حزب الله” الذي كان وراء الحفاظ على نظام بشار الاسد ولو بكلفة بلغت حد تدمير معظم سوريا وتشريد الملايين من أهلها؟ في تقدير خبراء في الملف السوري أن الاحتدام غير المسبوق منذ أعوام في العلاقات الاميركية – الايرانية يجسّد تعهدات الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب في تغيير قواعد السلوك التي إتبعها سلفه الرئيس باراك اوباما مع طهران. لكن هذا لا يعني أن بمقدور المرشد الايراني الذهاب الى مواجهة مباشرة مع واشنطن التي يحكمها التشدد. ومن ضمن حسابات المرشد، أن الزمن الذي كان يسمح للجمهورية الاسلامية بإستخدام “حزب الله”، كما فعل في حرب تموز عام 2006، قد ولّى.
حرب سوريا المفتوحة من دون أفق حاسم، تعني للتحالف المؤيد للاسد عموما، وإيران خصوصا، أن أي جبهة جديدة تفتح ستكون على حساب النظام السوري. فكيف إذا ما أقدم الايراني على تكليف “حزب الله” بفتح جبهة مع إسرائيل؟ النتيجة ستكون، في رأي هؤلاء الخبراء، نهاية الحزب والاسد معا.
من يتابع ردود الفعل على سلوك إدارة ترامب في شأن حظر السفر من 7 دول الى الولايات المتحدة يتبيّن له ان هناك لغة ملتبسة لدى الفريق المؤيد للنظام السوري. وفيما بدا نظام الاسد غير مكترث، والكرملين غير متوتر، ظهرت في طهران ردة فعل مزدوجة: ففيما أكد الرئيس روحاني أن الاميركيين “سحقوا جميع المبادئ الدولية”، قال امس وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف “نحن لن نكون البادئ بالحرب، لكن يمكننا الاعتماد على ادواتنا الدفاعية”، وكان يرد بذلك على تهديد الرئيس ترامب أن الخيار العسكري ضد إيران ليس مستبعدا.
ثمة ملاحظة حول الموقف الايراني يتبيّن من خلالها أن إدارة الرئيس روحاني هي من تساجل واشنطن وليست دوائر الامام علي خامنئي. وفي هذا الواقع ما يشير الى أن إصلاحيي إيران وليس المتشددين من يتصدّر المواجهة مع الادارة الاميركية، وبالتالي فإن الفتوى الان لـ”حزب الله” هي “أن يلتزم الهدوء”. ما يهم لبنان هو إتقاء عواصف المنطقة. حتى إيران نفسها تتبنى نصيحة “إحفظ رأسك في زمن ترامب”. فعلى لبنان أن يستفيد منها أيضا.
المصدر : النهار