وجهت الحكومة الأردنية بصفتها الدولة المضيفة للقمة العربية، المتوقع انعقادها في أواخر هذا الأسبوع، الدعوة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لحضور القمة كضيف شرف، وقد يعتذر عن الحضور وينيب عنه في هذه المناسبة شخصية رفيعة المستوى.
من حق القيادة الأردنية أن تدعو من تشاء من الزعماء الأجانب لحضور القمة العربية كضيف شرف، لكن يستثنى من ذلك كل من شن عدوانا على أي قطر عربي تحت أي ذريعة كانت، والرئيس الروسي بوتن في هذه الحالة قاتل وقاهر الشعب السوري الشقيق، ومن هنا لا تجوز دعوته لقمة عربية. إن دعوة الرئيس الروسي في هذه الحالة تعطي شرعية لمزيد من الفتك بالشعب السوري، وكذلك الليبي واليمني مستقبلا.
روسيا منذ قيام الاتحاد السوفيتي 1922 وحتى 2003 كانت عونا للعرب في كل قضاياهم، ولم تمارس العدوان على أي دولة عربية، كان مناصرا في كل حروبنا 1956، 1967، 1973، وبقي تحظى بحب الشعب العربي تقديرا لمواقفه المشرفة نحونا. انهار الاتحاد السوفيتي، وتفككت مكوناته إلى وحدات سياسية مستقلة 1991، وورث التركة السوفيتية روسيا الاتحادية بقيادة يالتسن السكران. وقامت في جمهورية الشيشان ثورة شعبية مسلحة 1994 تريد الاستقلال عن روسيا الاتحادية، أسوة ببقية الجمهوريات التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي، وحصلت على استقلالها كما أشرت. الشيشان جمهورية ضمن مكونات روسيا الاتحادية تدين بالإسلام، أرادت الانفصال عن روسيا، ولم تجد من يؤيدها من الدول العربية؛ احتراما للسيادة الروسية، وهذا يسجل للنظام العربي الحاكم في ذلك الزمان.
كان الشعب العربي من المحيط إلى الخليج ينظر إلى روسيا شعبا وحكومة نظرة حب وتقدير لما قدم له من دعم عسكري وسياسي واقتصادي في أحلك أيام بعض الدول العربية غير النفطية. إلا أنه اليوم، أي الشعب العربي، لم يعد يكن الود للقيادة الروسية لما فعلت وتفعل بأهلنا في القطر العربي السوري وليبيا الشقيقة منذ تدخلها السافر ضد رغبة الشعب الشقيق في نيله للحرية وحقه في اختيار قياداته ونظام حكمه وتحقيق الديمقراطية. روسيا الاتحادية بقيادة فلاديمير بوتن تشن أشرس الغارات الجوية والبحرية على المدن والقرى والأرياف وتقتل المدنيين بلا تمييز بحجة محاربة الإرهاب وهي تمارس الإرهاب بأسوأ صورة. لقد استخدمت كل أنواع الأسلحة الفتاكة بالتعاون مع مليشيات طائفية جهزتها ودربتها إيران ضد الثورة الشعبية السورية.
إن أكبر مجازر روسيا ارتكبت في حلب بالتعاون مع إيران، فالبحرية الروسية أطلقت صواريخ متطورة من البحر الأسود على المدن السورية الآهلة بالسكان، وكذلك أطلقت صواريخها من البحر المتوسط، ناهيك عن سلاح الطيران بأحدث طائرات السلاح الجوي الروسي، وذخائر أشد فتكا بالإنسان والبنية التحتية.
الروس وصفوا معركة حلب ضد المدنيين السوريين بأنها تشبه معركة ستالنجراد 1943، المعركة التي غيرت وجه التاريخ في أوربا في الحرب العالمية الثانية. ومن هنا وفي عقيدتهم العسكرية، لا بد من الانتصار في حلب وتمكين نظام بشار الأسد بالبقاء إلى الأبد بحماية روسية ليحكم الشعب السوري العظيم. لقد وصل العدوان الروسي على الشعب السوري إلى محافظة درعا المجاورة للحدود الأردنية الشمالية عشية انعقاد القمة العربية.
فيا للهول! أي ضيف شرف هذا الذي طائراته الحربية دمرت المدن السورية تدميرا يكاد يكون شاملا و تقترب من الأجواء الأردنية !
احذروا يا دول مجلس التعاون الخليجي العدوان الروسي يتمدد نحو اليمن بعد سورية، فقد أصدرت روسيا تحذيرات لقوى التحالف العربي وقوات الحكومة الشرعية من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن. تقول ماريا زخروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية: “روسيا مضطرة للعودة من جديد إلى الوضع الإنساني في اليمن نتيجة لتصعيد الأعمال العدائية”، والمقصود هنا دول التحالف العربي وقوات الحكومة الشرعية. لكن روسيا التي دمرت المدن السورية على رؤوس ساكنيها لم تتحدث عن الجرائم التي ترتكبها وإيران والمليشيات الطائفية هناك. فأي إنسانية تريد روسيا حمايتها في اليمن !.
السفارة الروسية في صنعاء وبموجب تعليمات موسكو أصدرت تحذيرا لقوات التحالف وقوات الشرعية اليمنية من الاقتراب من ميناء الحديدة وأكدت أن أي محاولة للسيطرة على الميناء الخاضع لسلطة الحوثيين بعد استيلائهم على اليمن، بأنه سيحول المنطقة إلى بحر من الدماء. تهديد واضح وضوح الشمس للتحالف العربي والحكومة الشرعية اليمنية. فماذا أنتم فاعلون؟
لقد حذر الكاتب مرارا من تربص الروس بمنطقة البحر العربي والبحر الأحمر ومضيق هرمز، وناشد قوى التحالف بسرعة الإنجاز بتحرير مواني اليمن من قبضة الحوثيين قبل استدارة الروس نحو المنطقة، ولكن لا حياة لمن تنادي !. وهكذا روسيا تتمدد نحو ليبيا لتحكم سيطرتها بالتعاون مع المنشق حفتر وعصابته وتأييد مصر السيسي الذي أطاح بمكانة مصر.
تقول التسريبات الموثوقة أن هناك جهودا تبذل من أجل أن يتضمن جدول أعمال القمة بندا يدعو إلى حوار مع دول الجوار ومجلس التعاون الخليجي، والمقصود بالحوار هنا أن يجري بين دول مجلس التعاون وإيران على كل القضايا العالقة بين الجارين العرب والفرس. كلنا مع الحوار البناء وحل كل الخلافات البينية بالطرق السلمية. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعا إلى ذلك الحوار أكثر من مرة، واليوم تقول التسريبات إن الكويت وسلطنة عمان تعملان على ذلك الأمر.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن، هل قدمت إيران بادرة حسن النوايا لإنجاح ذلك الحوار المطلوب، مثال: ماذا عن احتلال إيران للجز العربية الإماراتية منذ عام 1971 وحتى الآن، لم تستجيب إيران لكل جهود دولة الإمارات العربية في قبول التوسط أو الحوار الثنائي أو التحكيم الدولي. وهل أعلنت إيران سحب تأييدها ودعمها بكل أنواع التأييد للمنشقين الحوثيين وصالح في اليمن، هل قبلت إيران بالخروج من سوريا وعدم التدخل في الشأن السوري، وكذلك العراق، والكف عن الاستفزازات المستمرة لمملكة البحرين؟ وهل استخدمت نفوذها لإطلاق سراح القطريين المخطوفين في العراق من قبضة المليشيات الطائفية المدعومة من إيران؟ وهل قدمت اعتذارا رسميا، يصدر من كل مراتب القيادة الإيرانية، عن ما فعلته بالسفارة والقنصليات السعودية في إيران؟ وهل سمحت ببناء مسجد لأهل السنة في طهران أسوة بعواصم الدنيا؟ أسئلة كثير تطرح نريد الإجابة عليها قبل بدء أي حوار مع طهران.
آخر القول: لا حوار قبل بدء إعلان تنفيذي لحسن نوايا إيران. واحذروا يا أهل الخليج والجزيرة العربية من أن الروس قادمون ليحكموا السيطرة على محيطكم المائي بالتعاون مع إيران وأنتم في خلافاتكم منهمكون !
المصدر : الشرق