يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية داعش على مساحات كبيرة من أراضي سورية اليوم، ربما تصل إلى ما يفوق 35% من مساحة سورية، صحيح أنها أراض في معظمها غير مأهولة بالسكان، لكن “داعش” تمكّن من السيطرة على مدن ومراكز حضرية مهمة، أهمها الرقة وأجزاء كبيرة من مدينة دير الزور، بالإضافة إلى مدن أخرى خسرها في معاركه ضد أطراف مختلفة، مثل عين العرب (كوباني) ومنبج في معركته ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وأخيراً خسر مدينة الباب في معركته ضد الجيش الحر، مدعوما من القوات التركية.
السؤال الآن: من الذي سيقود عملية تحرير الرقة؟ ومن سيحكم الرقة بعد تحريرها؟
بدأ الخلاف الأميركي – التركي يتصاعد بسبب اختلاف وجهات النظر حول من سيقود عملية تحرير الرّقة، تركيا قدّمت خططها للولايات المتحدة، وأعلنت أنها مستعدةٌ لقيادة معركة تحرير الرقة، بمشاركة فصائل الجيش السوري الحر التي شاركت في عملية درع الفرات في تحرير مدينة الباب من “داعش”، واشترطت في الوقت نفسه عدم مشاركة “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تشكل وحدات الحماية الكردية القسم الأكبر منها، والتي تصنفها تركيا على لائحة المنظمات الإرهابية، وتعتبرها مجرد امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعا مسلحا ضد تركيا.
يبدو أن الولايات المتحدة كأنها فضلت الاعتماد على قوات سورية الديمقراطية، بدلا من الاعتماد على حليفها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تركيا، كما تفيد التقارير الصحفية، وبالتالي، ستكون تداعيات تحرير الرقة خطيرة للغاية، وذات تداعيات إقليمية كبيرة، وعلى ذلك يمكن تصور سيناريو تحرير الرقة كالتالي:
الأول: إذا ما رفضت الولايات المتحدة أي دور تركي في عملية تحرير الرقة، واكتفت بدعم قوات سورية الديمقراطية (المكونة بشكل رئيسي من الكرد)، فإن عملية تحرير الرقة ستستغرق وقتاً أطول ربما يصل إلى شهور، مع احتمالات توقفها أو تأخرها لأسباب كثيرة، منها لوجستية، وفي مقدمتها رفض تركيا السماح بالمساعدات الإنسانية والعسكرية بالمرور عبر أراضيها، فتركيا الآن رفضت تراخيص أكثر من عشر منظمات دولية، لاتهامها بأنها تعمل في المناطق الكردية في سورية، تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا حزباً إرهابياً. وفي الوقت نفسه، ربما يعزّز هذا الإهمال الأميركي لتركيا تصاعد المواجهات العسكرية بين تركيا وقوات الحماية الكردية في منبج وغيرها من المناطق، ما يضيع البوصلة بشكل كامل في الحرب ضد “داعش”، ويطيل أمد الحرب الأهلية السورية، وقد يتحول إلى نزاع إقليمي مع اصطفاف النظام السوري إلى جانب قوات الحماية الكردية في معركتها ضد تركيا.
الثاني: فيما إذا قرّرت الولايات المتحدة الاعتماد على حليفها التركي، وقوات درع الفرات المكونة من الجيش السوري الحر التي نجحت في تحرير الباب من قبضة “داعش”، فإن مؤشرات كثيرة تدل على قصر عمر المعركة في الرّقة بسبب احترافية الجيش التركي وقوته، مقارنة مع مليشيات قوات الحماية الكردية. وفي الوقت نفسه، بسبب التنسيق التركي – الروسي المستمر، فربما تستطيع روسيا تحييد قوات النظام السوري إلى حين تحرير الرقة، وهو ما سيعجل من العمليات العسكرية. وفي الوقت نفسه، يسهل عمليات إخلاء المدنيين من الرقة، بسبب المعارك المحتملة، فهناك أكثر من 150 ألف مدني سوري على الأقل يعيشون في الرّقة تحت حكم “داعش”. وبالتالي، قيادة تركيا العملية ستجبرها على الأخذ بالاعتبار عمليات إجلاء المدنيين، وهو ما لم يتم في حال إشراف وحدات الحماية الكردية التي ليس لديها أي منفذ حدودي مع تركيا في الوقت الحالي، ولن تسمح لها تركيا بكل الأحوال الإشراف على عملية الإخلاء الإنساني، كي لا تعزّز سيطرتها في مناطق الشمال السوري.
الثالث: وهو يتطلب صفقة أميركية – روسية – تركية، بمعنى نجاح كل من الولايات المتحدة وروسيا المتحالفتين مع قوات حماية الشعب الكردية في إقناع تركيا في تحييد خلافها مع الكرد مؤقتا، والقبول بمشاركتها مع قوات الحماية الكردية في الحرب ضد “داعش”. وتبدو احتمالات هذا السيناريو ضعيفة للغاية، بسبب الموقف التركي المتشدّد أولا. وثانيا تضعضع الثقة بين تركيا والولايات المتحدة، والأهم من ذلك كله أنه لا يوجد إلى الآن تنسيق أميركي – روسي عالي المستوى، يسمح بإعطاء الضمانات الضرورية لتركيا بقبول هذا السيناريو. ولذلك تبدو فرص هذا السيناريو كما ذكرت ضعيفة للغاية.
يبقى القول إنه، وبغض النظر عن السيناريو المحتمل لتحرير الرقة، فإن العملية لن تكون نهاية “داعش” في سورية، فالتنظيم المذكور ما زال يسيطر على مراكز مدنية، كأجزاء من مدينة دير الزور والبوكمال وغيرها. وبالتالي، ربما يتحول باتجاه التركيز للاحتفاظ بتلك المناطق بشكل مستميت للغاية. وفي الوقت نفسه، اتباع استراتيجية انتشار الخلايا، بحيث تتمكّن هذه الخلايا من الضرب، بغض النظر عن الهدف، مدنيا كان أم عسكريا. وفي كل منطقة، تتمكّن من القيام بذلك، وهو ما سيزيد من شعبيته، ويمكّنه من الحفاظ على قوته الأيديولوجية، وعدم انطفائها بشكل نهائي.
المصدر : العربي الجديد