على المستوى الأخلاقي، كان ملحوظاً امتناع بشار الأسد في حوار «فرنس برس» (والذي لا نعرف سبب إعطائه هذه الفرصة!) عن إبداء أدنى مشاعر الأسف أو الحزن على أطفال بلده الذين قضوا مختنقين بغازه السام في أسرّتهم الصباحية، وارتمت أجسادهم متيبّسة في رعشتها الأخيرة على أرصفة شوارع خان شيخون الضيقة كعصافير رحلت مبكراً عن أعشاشها الغضة، وذلك بصفته مسؤولاً عن حماية الشعب السوري الذي نصب نفسه رئيساً وريثاً عليه. ووصل به المرض إلى حد إنكار موت هؤلاء الأطفال في خان شيخون، مدعياً كعادته أن الصور «مفبركة»، واصفاً تلك المشاهد التي صدمت العالم «بالمسرحية الملفقة مئة في المئة»!
وعن العرض السياسي لحالته الميؤوس من شفائها، فكان جلياً في وضعية التحفّز والنرفزة الغبية التي ظهر فيها خلال الحوار في اتهامه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسن، بأنه كان «يهلوس» حين قال في مؤتمره الصحافي في موسكو إلى جانب نظيره الروسي، سيرغي لافروف، أن «حكم عائلة الأسد قد وصل إلى نهاياته في سورية». وجاء رد الأسد هزلياً وخائباً بحجم هزالته وخيبته الشخصية حين أجاب قائلاً إنه «لا وجود لحكم عائلي لآل الأسد في سورية»! وحين سأله محاوره الفرنسي إذا كان يعتبر الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة الأميركية إلى إحدى مواقعه العسكرية التي انطلقت منها الطائرات حاملة غاز الموت لأطفال خان شيخون، «نكسة» له ولنظامه، نفى الأسد أن تشكل تلك الضربة نكسة له أو لقواته بل اعتبرها طريقة لدعم الإرهاب والإرهابيين الذي وحده يحاربهم في سورية، دائماً وفق ادعائه.
من نافلة القول إن الضربة الأميركية لواحد من مفاصل الأسد التدميرية، ولو بصورة أقرب إلى الرسالة الأخيرة له، أعادت الزخم لقضية تحّرر الشعب السوري العادلة والمكلفة والدامية من سطوة الاستبداد وإرهاب الدولة المنظّم، وغدت المسألة السورية تتصدر الصحف العالمية الكبرى يومياً، ولم تخل قناة تلفزيونية أميركية أو أوروبية من حوار يومي حول ضرورة رحيل الأسد ومحاسبته عن جرائم الحرب المرتكبة خلال عهده.
ولأن ذاكرة العالم لا تموت مهما تقادم الزمن على الجريمة الإنسانية، فقد كتب الصحافي البريطاني بيرس مورغان، مستذكراً إرهاب الأسد الأب الذي يكاد يوازي إرهاب الأسد الابن، وذلك في مقال لصحيفة «ديلي ميل» يحمل عنوان «قاتل الأطفال الأسد يوقع أخيراً على شهادة وفاته»، جاء في المقال: «لقد تمكنت من الولوج إلى عقل الأسد المنحرف عندما قرأت بعض رسائله الإلكترونية التي تم نشرها قبل بضع سنوات، إحداها كانت مُرسلة منه لزوجته يوصيها بمشاهدة مقطع فيديو من برنامج أميركي للهواة على موقع يوتيوب يصوّر رجلاً متعطشاً للدماء قطع مساعده إلى نصفين باستخدام منشار كهربائي، ويبدو أن ذاك المشهد يحاكي تماماً نفس الأسد». ويضيف مورغان: «ليس الأمر بمثير للدهشة، بالنظر إلى أن والده البغيض حافظ الأسد، عرف عنه بأنه كان يذيب أجسام ضحاياه في الأحماض الكيماوية. والآن يتلذّذ الأسد الابن بالموتى بنفس الطريقة في مجازر مماثلة تستهدف المناطق المدنية المكتظة بالسكان بغاز الأعصاب وبراميل القنابل المليئة بالكلور، أو بقصف المستشفيات وتعذيب المعتقلين السياسيين».
وفي الدوائر السياسية البريطانية، أفاد المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب الديموقراطيين الليبراليين توم بريك، وذلك في تصريح له اليوم لجريدة «الإندبندنت» البريطانية بأن «زوجة بشار الأسد التي تحمل الجنسية البريطانية بحكم مولدها يمكن أن تفقد جنسيتها إذا واصلت دعمها العلني لنظام زوجها الهمجي». وجاء هذا التصريح في رسالة كتبها بريك إلى وزيرة الداخلية أمبر رود، لشرح مخاوفه فقال: «أسماء الأسد تتصرف كناطق رسمي باسم الحكومة السورية وهي تستغل صورتها الدولية للدفاع عن النظام السوري حتى إثر الفظائع التي ارتكبها في استخدامه للأسلحة الكيماوية». ونصح «أنه بإمكان الحكومة البريطانية أن تبلغ أسماء الأسد، وهي مواطنة سورية بريطانية، بأن تتوقف عن الدفاع عن الأعمال الوحشية أو يتم تجريدها من الجنسية. وأنه من حق الحكومة حرمان شخص من جنسيته إذا كان ذلك الشخص يضر بالمصلحة العامة وبمصالح المملكة المتحدة. وأن دفاعها عن الرجل الذي صنفته بريطانيا «راعياً للإرهاب» لم يعد بالإمكان تجاهله».
هكذا يقبع الأسد المريض في عزلته، بلا أنياب، وبلا إرادة، بعد أن سلّم مقاديره للدولتين الراعيتين لاستبداده، وقد خرج تماماً عن طور البشريّ، وتحوّل إلى وحش عاجز يريد أن يدمّر كل ما حوله قبل أن يسقط خائراً غير مأسوف عليه.
المصدر : الحياة