في مقابلة تلفزيونية يوم الاربعاء الماضي، أكّدت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، بعد عودتها من موسكو أن الولايات المتحدة لن تستهدف سوريا بضربة مشابهة لتلك التي وجهتها لقاعدتها الجوية في الشعيرات قبل نحو اسبوعين.
مراقبون سياسيون في بيروت أكدوا بدورهم ان شعبان ما كانت لتقول ما قالته لولا ان المسؤولين الروس استنتجوا ذلك. غير ان محللاً استراتيجياً قريباً من القيادة السورية اكّد لي ان ما قالته شعبان يستند الى قاعدة معلومات بالغة الاهمية وليس الى مجرد استنتاجات.
بحسب هذه المعلومات، صارح مسؤولون سياسيون وعسكريون روس وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلرسون خلال زيارته الاخيرة لموسكو بأن روسيا لن تترك سوريا عرضةً لهجمات أمريكية مقبلة، وانها قامت بغية حمايتها بتسليمها صواريخ متطورة للدفاع الجوي من طراز «إس 300» وصواريخ اخرى للغرض نفسه من طراز اسكندر، وانها جادة في دعمها سياسياً وعسكرياً في جهودها الرامية الى الدفاع عن سيادتها وتحرير اراضيها الواقعة تحت سيطرة تنظيمات ارهابية كـ «داعش» و»النصرة» في سياق استعادة وحدتها الجغرافية والسياسية. لعله في هذا الإطار جرى ايضاً نقل عدد من المقاتلات والقاذفات السورية الى مطار حميميم العسكري حيث تتواجد قوات روسية برية وجوية مزودة بأسلحة نوعية متطورة لتكون عملياً تحت حماية روسيا.
من السهل الاستنتاج، في ضوء هذه المعلومات، ان يكون وزير الخارجية الأمريكي قد اسرّ لنظيره الروسي بأن واشنطن ليست في وارد توجيه ضربة جوية جديدة لسوريا، وان يكون المسؤولون الروس قد سرّبوا هذا التوّجه الأمريكي الى شعبان.
غير ان متابعةً حثيثة لأقوال المسؤولين الأمريكيين وافعالهم تشي بحقيقة مغايرة. ففي نيويورك، شنت مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة نيكي هايلي حملةً شديدةً على سوريا كما على جمهورية ايران الإسلامية وطالبت مجلس الامن الدولي بالتركيز عليهما لأنهما «يتآمران معاً لزعزعة الشرق الوسط ويرتكبان اعمالاً ارهابية». بل هي لم تتورع عن القول إن «المجرم الكبير ايران وشريكها حزب الله» ضليعان في قتل الآلاف من المدنيين مع قوات الرئيس بشار الأسد وفي التدريب المميت للميليشيات في العراق وفي تسليح ميليشيات الحوثيين في اليمن. ولم توفر هايلي مقاتلي حزب الله فقالت بالحرف: «في لبنان ، يستخدم حزب الله ، وهو منظمة ارهابية ، القرى درعاً لترسانة من عشرات الآلاف من الصواريخ ، كما يسيطر حزب الله في سوريا على مناطق عدّة». بعدها اعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس خلال زيارته للسعودية ان ايران تلعب دوراً يزعزع الاستقرار في الشرق الاوسط، وانه ينبغي دحر نفوذها لإنهاء الصراع في اليمن.
قبل هذه الحملة الواسعة على ايران وفي اثنائها، عَكَس الفشل في تنظيم لقاء ثلاثي يجمع ممثلي روسيا والولايات المتحدة مع المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي مستورا إتساعَ هوة الخلاف بين موسكو وواشنطن ما عطّل وضع آليات للحوار وتقريب وجهات النظر لإنجاح محادثات آستانة المقبلة. ذلك ان واشنطن حافظت على مواقفها المتباعدة من موسكو منذ زيارة وزير خارجيتها الاخيرة للعاصمة الروسية. بينما حذّر ديبلوماسيون روس من تأثيرات السجالات حول الملف الكيميائي على جهود استئناف العملية السياسية ولاسيما بعد قيام «اسرائيل» بشن حملة سياسية واعلامية على سوريا وحزب الله في موازاة حملة دول اطلسية عليهما تتهمهما باستعمال السلاح الكيميائي.
ضابط اسرائيلي رفيع ادلى بتصريح الى مراسلي الشؤون العسكرية في وسائل الاعلام الاسرائيلية («يديعوت احرنوت» 2017/4/20) مفاده ان التقديرات الموجودة لدى قيادة الجيش الاسرائيلي تشير الى ان كمية الاسلحة الكيميائية التي تملكها القوات السورية تصل الى 3 اطنان. تلقّف السفير الإسرائيلي في واشنطن داني دانون هذه الإتهامات ليطالب مجلس الامن الدولي بإدراج حزب الله وحركة «حماس» على قائمة المنظمات الإرهابية ، معلناً ان ايران وحزب الله شريكان في «الجرائم التي ترتكب في سوريا» . وما لبث وزير الدفاع الأمريكي ماتيس أن كرر اتهام سوريا بالإحتفاظ بكمية من الأسلحة الكيميائية!
كل هذه الوقائع والشواهد تشير الى ان الولايات المتحدة و»اسرائيل» منخرطتان في حرب باردة متصاعدة مع روسيا وايران ، وان محور الحرب وميدانها هما سوريا، فهل تتطور الحرب الباردة الى حرب ساخنة؟ وهل تنتهز «اسرائيل» فرصة التوتر المتزايد واتساع نطاق المواجهات العسكرية في شمال سوريا وشرقها كما في جنوبها المواجه لـ»اسرائيل» لشن هجوم صاعق في منطقتي القنيطرة ودرعا بغية توسيع رقعة الجيب الحدودي الذي تسيطر عليه «داعش» و «النصرة» وحلفاؤهما؟ وهل تنتقل الولايات المتحدة من التنديد الإعلامي بـِ «داعش» والدعم العسكري لـِ»قوات سوريا الديمقراطية» الكردية الى إنزال المزيد من قواتها في محافظة الرقة والمشاركة تالياً في عملية إقامة «مناطق استقرار» (وهو المصطلح الذي تطلقه على «المناطق الامنة») وذلك في اطار تحويل هذه المناطق إلى كيانات منفصلة عن الحكومة المركزية في دمشق ؟
ألا يجد موقف أمريكا المتحفّظ من اجتماعات آستانة الرامية الى استعادة الوحدة والسلام لسوريا ترجمته العملانية في هذه التحركات الأمريكية والإسرائيلية المريبة والساعية الى تقسيم سوريا بدعوى انها تحتضن تنظيمات ارهابية معادية لها، وانها تقوم باستعمال اسلحة كيميائية ضد خصومها وتتسبّب بقتل مدنيين؟
اسئلة كثيرة تبحث عن اجوبة في مرحلة ملتبسة شديدة الغموض والخطورة في آن.
المصدر : القدس العربي