انعقدت في الرياض أخيراً قمم ثلاث: اثنتان احتفاليتان وواحدة جدّية. القمتان الاحتفاليتان ضمّت ملوكاً وأمراء ورؤساء عرباً ومسلمين، غايتها الاحتفاء بالرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب.
القمة الجدّية غايتها مزدوجة: تسديد «ديون» مستحقة الأداء للولايات المتحدة الامريكية في ذمة المملكة العربية السعودية، ناجمة عن «اجور حماية» متراكمة، وبناء تحالف سياسي وعسكري بين الدولتين لحمايتهما من إرهاب داعشي يهددهما.
الإعلان الذي صدر عن القمم الثلاث لا يخصّ، في الواقع، سوى طرفيّ القمة الجدّية الثنائية: العاهل السعودي والرئيس الامريكي. أطراف القمتين الاحتفاليتين اخذوا علماً بالبيان ولم يناقشوه او يقرّوه. بعضهم، كلبنان، اعلن رسمياً بلسان وزير خارجيته، كما بلسان رئيسه عدم التزامه به. بعضهم الآخر، كمصر، تقصّد رئيسها مسبقاً عدم الاشارة في كلمته إلى ايران، التي اعتبرها البيان، لاحقاً، العنوان الرئيس للإرهاب والممِّول والمسلِّح الاول لمختلف تنظيماته.
المفارقة اللافتة أن القمة الثنائية الامريكية – السعودية لم تكن جدّية إلاّ في مسألة تعجيل تسديد السعودية «ديوناً» كان ترامب قد ادّعى في حملته الانتخابية انها مستحقة الأداء، لقاء قيام الولايات المتحدة بحمايتها طيلة عقود، ذلك انه لا حماية مجانية لأحد، في رأي الرئيس الامريكي، بما في ذلك الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي. ألم يسارع، بعد استيفاء «اجور الحماية» من السعودية البالغة نحو 350 مليار/بليون دولار الى مطالبة دول اوروبا الاطلسية خلال اجتماعه مع رؤسائها في بروكسل، بتسديد «اجور» مستحقة بذمتها لامريكا لقاء «حمايتها» من الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، ولغاية انهياره في مطالع تسعينيات القرن الماضي؟
في جولته الاولى على عواصم شرق اوسطية واوروبية، بدا ترامب أقرب ما يكون الى جابي ديون واجور منه الى رئيس دولة كبرى لها سياساتها ومخططاتها. نهجه في العمل، التعجيل في تحصيل ما يعتبره مستحقات مالية، وتأجيل ما يترتّب مقابلها من موجبات تنفيذية، سياسية وعسكرية. فقد اتفق مع المسؤولين السعوديين في قمة الرياض على إعداد جيش من 34 ألف مقاتل لمواجهة «داعش»، كما الجيش السوري و»الحشد الشعبي» على الحدود العراقية، لكنه أرجأ تنفيذ هذا الالتزام الى العام 2018. هل سيبقى «داعش» ناشطاً ومسيطراً في سوريا والعراق الى العام المقبل؟ ثم، ما الفائدة من الجيش الموعود اذا كان «داعش» سينتهي عملانياً قبل نهاية العام الجاري؟
كان ترامب قد اعلن خلال حملته الانتخابية، انه يتطلع إلى إنجاز «صفقة تاريخية» بين «اسرائيل» والفلسطينيين. لكنه في زيارته للقدس المحتلة واجتماعه الى «الصديق العزيز نتنياهو»، وزيارته رام الله واجتماعه الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لم يتحدث البتة عن «الصفقة التاريخية» ولا عن «حل الدولتين». أشار فقط إلى أن نتنياهو وعباس «ساعيان من اجل السلام». والمفارقة انه بعد مغادرة ترامب فلسطين المحتلة سرّب مسؤول رفيع قريب من الرئيس الفلسطيني معلومة مفادها أن الرئيس الامريكي ينوي اعلان مبادرة سلام خلال شهر.
مفارقة اخرى: كان من المفترض في زيارة ترامب للرياض والقمة التي عقدها مع القادة الخليجيين تعزيز تكتل هؤلاء ضد الإرهاب عموماً، وايران خصوصاً، لكن ما حدث هو أن انفجاراً إعلامياً مدوّياً ترددت اصداؤه في الدوحة والرياض وابو ظبي أعقب مغادرة ترامب، وكشف للتوّ خلافاً بين السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر من جهة اخرى حيال الموقف من ايران وقوى المقاومة. اللافت ان صحفاً عربية مؤيدة لقطر انتقدت «المهرجان» الذي اقامته السعودية لترامب في الرياض، فيما وصفت صحف سعودية قطر بأنها «شوكة في خاصرة العرب» وهددتها بأنها سوف تدفع الثمن. اكثر من ذلك، سرّبت وسائل إعلام امريكية وعربية أن واشنطن تدرس امكانية نقل القاعدة العسكرية الامريكية (العديد) من قطر الى بلد خليجي آخر.
هذه المفارقات نالت من جدّية قمة الرياض الثنائية لدى حلفاء السعودية، كما لدى حلفاء ايران. والمفارقة الإضافية ان كِلا الفريقين اعتبر ترامب، بتقلّباته وتصرفاته الغريبة، مسؤولا بالدرجة الاولى عن إضعاف قمة الرياض والاساءة الى حلفائه. ذلك طرح، بالضرورة، سؤالاً منطقياً: كيف سيكون الاقليم بعد قمة الرياض؟
ثمة فريق من المراقبين يجزم بأن ترامب واركان ادارته سيتخبطون طويلاً في مواقف متناقضة حيال قضايا الإقليم، ما يضفي الغموض على سياسة واشنطن، ويؤدي تالياً الى إضعاف نفوذها وتأثيرها. فريق آخر يقرّ بمخاطر تقلّبات ترامب، لكنه يؤكد بأنه مهما تقلّب في مواقفه فسيبقى مؤيداً صلباً لـِ»اسرائيل» ومجارياً لها في موقفها المتصلب من ايران وحلفائها، ولا سيما سوريا وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
الى ذلك، بدت ايران غير مكترثة بنتائج قمة الرياض وماضية في دعم حلفائها في محور المقاومة. حلفاؤها بدوا ماضين ايضاً في مواجهة «داعش» واخواته في سوريا والعراق، كما ثبت انهم تفاهموا في ما بينهم على التحالف في وجه «داعش»، كما في وجه الولايات المتحدة لإحباط محاولات مشبوهة لتقسيم بلاد الشام وبلاد الرافدين.
كل الشواهد والقرائن تشير إلى أن الصراع بين سوريا وحلفائها من جهة، وخصومها الإقليميين من جهة اخرى، سيتصاعد خلال السباق المحموم للوصول الى الحدود العراقية. غير ان معلومات تسرّبت من اوساط مسؤولي مجالس الامن القومي لكل من روسيا وايران والعراق وسوريا، الذين اجتمعوا مؤخراً في طهران، تشير الى اتفاقٍ تمّ على تزويد دمشق بصواريخَ للدفاع الجوي من طراز 300 – S، وان الجيش السوري لن يتوانى عن استخدامها ضد طائرات «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة.
يتضح من كل هذه الواقعات والتطورات ان لا أفق لانفراج قريب بين القوى المتصارعة على الموارد والمصالح والمواقع والنفوذ، في دول الإقليم الممتد من شرق البحر المتوسط الى جنوب بحر قزوين.
المصدر : القدس العربي