يرى مطلعون في إيران أن مرض نائب رئيس مجلس الخبراء سيد محمود هاشمي شاهرودي وفشل سادن الروضة الرضوية سيد إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية، ربما سيطيح بأي طموح لهما بخلافة المرشد سيد علي خامنئي الذي تشير تقارير إلى أنه يبحث عن خليفة له في حياته يخلفه بعد مماته في قيادة الجمهورية الإسلامية.
وتؤكد تقارير خاصة أن خامنئي رغم أنه متعايش منذ سنوات عدة، مع مرض سرطان البروستات، فانه عازم على تحقيق هدفه في تعيين قائد يخلفه في قيادة النظام، وأن يستعين في ذلك بالمقربين منه، ومنهم بالطبع قيادات كبيرة في الحرس الثوري أبرزهم اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس. وتلفت التقارير إلى أن زيارة خامنئي مؤخراً إلى شاهرودي الذي يرقد في المستشفى، تشير إلى أن مرض الأخير جدي، يحول دون أن يتولى في المستقبل منصب قائد البلاد فيما لو رحل مرشد البلاد الحالي الذي يبدو مهتماً بأن يكون خليفته أقرب إلى الاعتدال، كي يتمكن من المحافظة على التوازن خصوصاً بين المحافظين الإصوليين المتشددين، والإصلاحيين وحلفائهم الذين يزدادون يوماً بعد آخر ويحققون معاً انتصارات سياسية كبرى جعلتهم يسيطرون منذ كانون الثاني/يناير من السنة الماضية، على مجلس الشورى (البرلمان)، ويحتفظون بالرئاسة، ويسجلون حضوراً بارزاً في المجالس البلدية في العاصمة ومشهد الدينية وغيرها من المدن الكبرى.
ويؤكد عارفون أن خامنئي منح الضوء الأخضر للرئيس روحاني للقيام بمهمة مواصلة الإصلاح لكنْ تحت سقف النظام، والتوجه أكثر صوب الجانب الجمهوري في نظام ولاية الفقيه المكون من (الجمهورية والإسلامية) والتخفيف من القيود التي تحول دون مشاركة أكبر في الحياة السياسية، من قبل الجيلين اللذين ولدا بعد ثورة 1979 الإسلامية التي أطاحت بالشاه السابق.
جمهورية أكثر
وبدا واضحاً خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جددت للرئيس حسن روحاني لأربع سنوات رئاسية أخرى، أن خامنئي تصدى بقوة لأي محاولة تؤثر على نتائج الانتخابات، ومنع محاولات التلاعب بالنتيجة بما يصيب شريحة الشباب الذين ولدوا بعد الثورة بالإحباط، خشية أن تتكرر ما يسميها «فتنة» 2009 حين شهدت تلك الانتخابات تلاعباً كبيراً أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة، والإطاحة برموز الإصلاح وأنصارهم في السجون والمعتقلات وفِي المهاجر.
ورغم أن البعض لا يستبعد أن تكون مشاركة ابراهيم رئيسي في الانتخابات الأخيرة «بروفة» للترويج له على نطاق واسع تمهيداً لاختياره فيما بعد (ربما) خليفة للمرشد، إلا أن ما تعرض له رئيسي خلال المناظرات في الحملة الانتخابية من جرح وانتقادات واسعة، يخدش صورته على الأقل لدى الناخب الذي لم يصوت له، واختار الامتناع، أو التصويت لصالح منافسيه روحاني ومصطفى مير سليم ومصطفى هاشمي طبا.
وترجح مصادر مقربة من بيت المرشد سقوط كل الأسماء التي تم تداولها في تقارير صحافية سابقة لتخلف خامنئي في قيادة البلاد، وتشير أيضاً إلى رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني آملي وتقول إن تشدده غير المبرر في القضاء مع الإصلاحيين وأنصارهم بشكل خاص، يحول دون أن يصبح الولي الفقيه الثالث للجمهورية الإسلامية بعد خامنئي.
شاهرودي
ورغم أصوله العراقية تمكن محمود الهاشمي شاهرودي من أن يصبح أحد الأرقام الصعبة في الشارع السياسي الإيراني.
ولكونه يُعرف من قبل خبراء الحوزة بالنبوغ، وبدرجته العلمية الرفيعة وتحقيقاته الدقيقة في علم الأصول، فقد أصبح شاهرودي استاذاً لامعاً في الحوزة الدينية، ووضع سبعة مجلدات في هذا العلم، وكتب عشرات المقالات الفقهية التي تنم عن ذوق عصري وقدرة على الاستنباط مكنته من أن يصبح مجتهدا لامعا وعضوا بارزا في «المجلس الأعلى للحوزة العلمية في قم» وهو المسؤول عن كل ما يتعلق بمناهج الحوزة الدينية وإدارتها والحفاظ على هويتها وأصالتها، وهي معقل آيات الله وحجج الإسلام، ومنها انطلقت شرارة الثورة الإسلامية ضد الشاه العام 1963. وأثارت أفكار محمود الهاشمي شاهرودي لتطوير الحوزة الدينية، وإعداد جيل جديد من المعممين المؤمنين بنهج الثورة، انتباه خامنئي إليه فجعله مقربا منه في الدرس والبحث العلميين، وأصبح ـ خصوصا بعد انتخاب خامنئي للقيادة بعد وفاة الإمام الخميني العام 1989 ـ من «حوارييه» ومدرسا خاصا له، بحجة المباحثة ليتعلم منه خامنئي أعلى مراتب العلوم الدينية، إلى جانب آية الله سيد كاظم الحائري، وكان قياديا بارزا في حزب الدعوة، بل الولي الفقيه للحزب، قبل أن يصبح هو الآخر من «حواريي» الولي الفقيه.
كان خامنئي وقيادات بارزة في الحرس الثوري، وكثيرون في المؤسسة الدينية، وقبل مرض شاهرودي الأخير يعولون كثيراً عليه ليكون الخليفة المنتظر، وقد تم التفاهم قبل عدة سنوات مع حزب الدعوة العراقي ليذهب شاهرودي إلى النجف ويستقر فيها، تمهيداً لإعلان مرجعيته العامة هناك بدعم إيراني بعد وفاة السيد علي السيستاني، وبدعم من شيعة المنطقة.
وتبدي طهران اهتماماً غير عادي بحاضرة النجف الدينية، وتطمح إلى أن يتمكن شاهرودي من الامساك بالمرجعية فيها أو يصبح واحداً من النافذين هناك، ويؤهله بعد ذلك لاستخلاف كل من خامنئي والسيستاني، ويجمع بذلك بين المرجعية الدينية العليا لكل الشيعة في العالم، والقيادة السياسية أي ولاية الفقيه.
ويرأس شاهرودي الذي كان رئيساً للقضاء، لجنة فض نزاعات السلطات الثلاث في إيران، وهو يحظى في العراق بدعم هائل من حزب الدعوة الإسلامية الممسك برئاسة الوزراء منذ سنوات طويلة.
وكان شاهرودي يُعد بوصفه مرجعاً، من بين النخبة القليلة التي قد تتحدى السيستاني علمياً على المرجعية العليا في حياته، لولا فتور الاستقبال الدي جوبه به أثناء زيارته النجف العام 2012.
مجلس الخبراء
من الناحية الدستورية فإن «مجلس الخبراء في إيران» هو المسؤول عن اختيار خليفة المرشد. وقبل ذلك يجري تشكيل مجلس قيادي مؤقت- يتكون من الرئيس ورئيس السلطة القضائية وعضو في «مجلس صيانة الدستور» – يتولى مؤقتاً مهام المرشد الأعلى من الوقت الذي يترك فيه خامنئي السلطة إلى تولي خليفته المنصب. وأيضاً فان «مجلس تشخيص مصلحة النظام» التي لديها السلطة لاستبدال أعضاء المجلس المؤقت إذا لزم الأمر.
لكنْ ما يتسرب هذه الأيام من الرواق الإيراني المعقد، يشير إلى أن خامنئي مهتم جداً بحسم موضوع «خليفته» في حياته… والبحث جارٍ عن أسماء، بعضها بقي في خانة «الاعتدال» رغم كل التطرف الذي مرت به العلاقة المتوترة بين الإصلاحيين ومن باتوا يعرفون اليوم بالأصوليين المقربين من خامنئي أو المحسوبين عليه، ومنهم بالطبع محمدي كلبيكاني مدير مكتب المرشد علي خامنئي، وهي تظل في النهاية مجرد تكهنات تستند إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي وإن كانت أعادت اللحمة مجدداً بين الإصلاحيين وأنصارهم والنظام، إلا أنها أشّرت على جملة تحديات على النظام مواجهتها بعقلانية خصوصاً في مطالبات السنّة بمزيد من المشاركة السياسية في الحكم، ومطالب الشباب بمزيد من الانفتاح والحريات الاجتماعية، ومطالب القوميات غير الفارسية بمزيد من الحقوق المشروعة التي أقرها الدستور وجمدت بحجج الظروف الأمنية، وهذا لن يتحقق ما لم يعمد المرشد إلى إصلاحات أساسية في القضاء، تمهيداً لإعلان خليفته المنفتح أكثر على … جمهورية نظام ولاية الفقيه!
المصدر : القدس العربي