يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بات يعتبر أن “الحرب ضد داعش” انتهت، بعد أن انتهى وجود مسلحي التنظيم المذكور في الموصل والرّقة، وكل الأرض العراقية تقريباً، وأيضاً معظم الأرض التي سيطر عليها في سورية. لهذا بات ترامب يطرح أولوية أخرى، تمثلت في حزب الله والحشد الشعبي في العراق، وإيران راعية لهؤلاء وللحوثيين. ولهذا جرى تشديد “العقوبات” الاقتصادية على حزب الله، وعلى الحرس الثوري الإيراني، وأشار وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بضرورة رحيل “جماعات إيران” من العراق.
بمعنى أن ترامب يريد قصقصة أدوات إيران وحصارها معاً، لأنه يريد إنهاء توسعها الخارجي، وإضعاف بنيتها الداخلية، فهو يريد إخراجها من العراق، لكي تسيطر أميركا عليها وفق ما كان مقرّراً قبيل الانسحاب سنة 2011. وهذا هو هدف كل “الحرب ضد داعش” التي بدأت صيف سنة 2014، حيث أعادت أميركا موضعة قواتٍ لها في العراق، وفرضت (ولا زالت تعمل على فرض) تغيير توجهات النظام بما يجعله تابعا لها. وهذا مفهوم، لأن كل حربها على العراق، واحتلالها له، هدفا إلى السيطرة عليه، والتحكّم في الثروة النفطية، وبالتالي إكمال السيطرة على منابع النفط في الخليج العربي، أو التقدّم خطوة في إكمال السيطرة على منابع النفط، لأنها تريد السيطرة على نفط إيران كذلك.
لكن يبدو أن الأمور تأخذ “مساحة أوسع”، بعد أن حققت أميركا خطواتٍ في السيطرة على العراق، حيث باتت تطرح مسألة الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان. ويبدو أن الأحداث الأخيرة، سواء فيما يتعلق باستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية، أو اتهام إيران بمدّ الحوثيين بالصواريخ التي طاولت الرياض، تشير إلى احتمال اتخاذ خطوة جديدة، جوهرها تلك الأولوية التي باتت تعلنها أميركا، أي أولوية الحرب ضد حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين.
ماذا يمكن أن تفعل؟ إن استقالة سعد الحريري تعني “كشف” لبنان أمام مصيرها دولةً مسيطَرا عليها من حزب الله، وهذا يعني أن الأخير بات “تحت الضرب” الأميركي، ولا أقول الصهيوني، حيث ربما أن السيناريو الممكن هنا يتمثل في أن توجّه أميركا ضربات جوية، وصواريخ كروز ضد مواقع حزب الله بشكل يشلّ قدراته، وينهي مراكز القيادة والسيطرة لديه. أميركا هي التي يمكن أن تقوم بذلك، وفي حال رد الحزب ضد الدولة الصيونية، تتقدم هذه لإكمال ما بدأته القوات الأميركية.
من الواضح أن إنهاء الصراع في سورية، كما يبدو أنه بات ممكناً، والتفاهم الأميركي الروسي القائم على إنهاء الوجود الإيراني وأدواته في سورية، يفرض أيضاً إنهاء قدرات حزب الله في لبنان، حيث تسعى أميركا إلى ترتيب الوضع اللبناني “في صالحها”. ولا أظن أن روسيا تعارض ذلك، ما دامت حصلت على موافقة أميركية على استحواذها على سورية. وهنا، لا بد من أن نلمس كيفية نهاية الوجود الإيراني في سورية، فهذا الوجود ضرورة بالنسبة لروسيا، ما دامت هذه غير قادرة على إرسال قوات كبيرة لضبط الوضع السوري.
لهذا، كانت الإشارة هنا إلى الميل الروسي لترتيب وضع سورية، وكل الحديث يجري على أن ذلك سيتحقق نهاية العام. ليس الأمر سهلاً، لكن من الواضح أن أميركا تتقدّم من أجل تغيير الوضع في لبنان، كما فعلت في العراق. وربما تساعد على “تهشيم” الحوثيين في اليمن.
أميركا الآن تدعو إلى “تحالف دولي” ضد إيران، وربما تعيد ترتيب التحالف الدولي ضد “داعش” بما يجعله هو الذي يقوم بهذه المهمة، بعد أن ضمت إليه الدولة الصهيونية، وتسعى إلى تحقيق “سلام” بين الدول العربية المشاركة فيه والدولة الصهيونية. بمعنى أن الحرب ضد إيران وأدواتها سوف يقوم بها تحالف “دولي”.
إذن، لبنان مقبل على “هزّة”، والعراق كذلك سيكون “تحت السكّين” من أجل إنهاء وجود الحشد الشعبي، إذا لم يستطع رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي ذلك. والمنطقة مقبلة على وضع سياسي جديد.
المصدر : العربي الجديد