انتهت اجتماعات مؤتمر الرياض 2 (23 و24 نوفمبر الجاري)، الذي حضره حوالي 150 شخصية، نساء ورجالا، يمثلون مختلف أطياف المعارضة السورية وكياناتها، السياسية والعسكرية والمدنية، وشخصيات مستقلة، من دون أن يخفّض سقفه التفاوضي، ومن دون أن تفرض عليه المملكة العربية السعودية (وهي البلد المضيف) أيّ إملاءات تتعلق بالقبول ببشار الأسد في المرحلة الانتقالية، أو في أيّ مرحلة، وهما أكثر ادعاءين أشهرا في وجه المؤتمر، من قبل المناهضين له، أو المتشكّكين بالأغراض التي حملت المملكة السعودية على عقده في هذا الوقت بالذات.
بيد أن الأهم من كل ذلك أن البيان الصادر عن مؤتمر الرياض 2 بدا أكثر تشدّداً وتحديداً ووضوحاً من سابقه، أي بيان الرياض 1 (عقد أواخر 2015)، الذي تشكّلت فيه الهيئة العليا للمفاوضات. هكذا ففي مقارنة موجزة بين البيانين المذكورين يمكن ملاحظة الفوارق العديدة والهامة في الجوانب الآتية:
أولا، نصّ بيان الرياض 2 على “إقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي مدني” في سوريا، وإقامة “نظام حكم ديمقراطي”، في حين كان الحديث في بيان الرياض 1 عن إقامة نظام بآليات ديمقراطية؛ ولا أحد يعرف ما المقصود بكلمة آليات، أو لماذا لم يتم الحديث صراحة عن الديمقراطية؟ مع علمنا أن ذلك التحفظ كان في حقبة هيمنة تيارات معيّنة على الثورة السورية في ذلك الحين.
ثانيا، نصّ بيان الرياض 2 على حقوق المواطنة المتساوية، في أكثر من مكان، في حين أن البيان الأول لم يذكر شيئا عن المواطنة، وهي كما هو معلوم مفهوم حقوقي، وسياسي أيضاً.
ثالثا، أغفل بيان الرياض 1 أي نصّ يتعلق بمحاكمة مجرمي الحرب أو بالعدالة الانتقالية، وهو ما تم ذكره بشكل واضح في نص البيان الصادر عن مؤتمر الرياض 2.
رابعا، تحدث بيان الرياض 2 صراحة عن حقوق الجماعات القومية السورية، ولا سيما الأكراد، بشكل واضح، ومحدد، في حين أن بيان الرياض 1 لم يتطرّق إلى ذلك.
خامسا، أكد بيان الرياض 2 على مضامين بيان جنيف 1 (2012) لمرجعية للمفاوضات، في حين أن بيان الرياض 1 تطرّق إلى ذلك في العموم.
سادسا، لم يذكر بيان الرياض 1 أي شيء يتعلق بمصير الأسد، في حين أن بيان الرياض 2 (وعلى عكس التوقعات) ذكر بالنص أن لا مكان للأسد في حكم سوريا منذ بداية المرحلة الانتقالية.
أيضا، وفي ما تمخّض عنه المؤتمر، فقد تمّ التأكيد في مؤتمر الرياض 2 على: أولا، الالتزام بالمسار التفاوضي في جنيف، وهو ما أكده أيضاً، نصر الحريري رئيس الهيئة المنتخب، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب انتهاء المؤتمر، وذلك رداً على سؤال له عن كيفية التعامل مع المسارات التفاوضية الأخرى، التي تحاول روسيا فتحها للالتفاف على مفاوضات جنيف.
ثانيا التوافق على تشكيل وفد واحد، مع ما يعنيه ذلك من طي مشكلة المنصات التي يعتبرها النظام ذريعة للتنصل من المفاوضات مع المعارضة، بحيث باتت منصتا القاهرة وموسكو ممثلتين، وفي مكانة نائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات.
ثالثا ركز المؤتمر على الدور الذي تلعبه إيران، وميليشياتها الطائفية المسلحة، في تصعيد حدة الصراع في سوريا وضرورة وضع حد لها، مع التأكيد على إخراج كافة القوات والميليشيات الأجنبية من سوريا.
رابعا، إن المبادئ المطروحة في البيان تمثّل أرضية للتفاوض، في مواجهة وفد النظام، وهي ورقة قوة إذا أحسن استثمارها وإذا تم دعمها من قبل المجتمع الدولي، في واقع باتت فيه الدول الكبرى هي التي تتحكّم بهذا الصراع، وإيجاد حل له وتحديد مآلاته بالوسائل العسكرية أو بالوسائل السياسية.
الآن ومع أهمية كل تلك الإيجابيات، التي يفترض البناء عليها، فإن الحديث يدور عن بيان، أو عن توافقات سياسية نظرية، ما يعني أن لدى المعارضة الكثير مما ينبغي عليها عمله لتعزيز مكانتها إزاء شعبها وإزاء العالم، ويأتي في مقدمة ذلك، أولا، استنهاض وضعها وتشكيل ذاتها في كيان سياسي جامع، على شكل جبهة وطنية، تضم مختلف الأطياف السياسية للسوريين، الذين حرموا من السياسة، أو من المشاركة السياسية، أو من العمل الحزبي لعقود، بعيدا عن العقليات الضيقة والحسابات الشخصية والارتهانات الخارجية. ثانيا، العمل في أوساط مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، لاستثمار إمكانياتهم وطاقاتهم، لتعزيز صدقيتها وتقوية مكانتها التمثيلية كمعبّر عن السوريين وكممثل لهم، وكمسؤول عن حقوقهم ومصالحهم. ثالثا، لا بد من استعادة المقاصد الأساسية للثورة السورية، المتمثلة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، التي جرى إزاحتها في المرحلة الماضية بحكم تصدّر تيارات تتغطى بالدين والطائفية، ما أضرّ بوحدة السوريين، وبصدقية الثورة إزاء شعبها، وصورتها أمام العالم.
طبعا، ثمّة تحديات أخرى، وضمنها ما الموقف من مؤتمر سوتشي؟ وهل ستصمد الهيئة المنتخبة أمام الضغوط التي ستصبّ عليها للمشاركة في هذا المؤتمر؟ أم هل ستتعرّض لتشققات بين موافق ومعارض؟ ثم كيف ستواجه هذه الهيئة الأولويات المطروحة للمفاوضات، مثل صياغة الدستور والانتخابات، قبل المرحلة الانتقالية؟
المصدر : العرب