يسير مسلسل التهجير الديموغرافي في سورية بسرعة شديدة، ويتم ترحيل عشرات الآلاف من السكان من مناطقهم خلال زمن وجيز، مثلما حصل في الآونة الأخيرة في الغوطة. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في نهاية مارس/ آذار الماضي، أن “نحو 150 ألف مدني غادروا الغوطة الشرقية منذ 28 فبراير/ شباط الماضي”.
جرى تهجير 150 ألف مدني من أهل الغوطة من ديارهم وأرضهم خلال شهر، قبل أن يصل الدور على أهل دوما الذين لن توفرهم العملية، وفي أحسن الأحوال سيغادر منهم حوالي مائة ألف، وبذلك يكون قد تم تهجير قرابة ربع مليون من محيط دمشق خلال زمن لا يتجاوز أربعين يوماً.
وبينما كانت مفاوضات دوما مستمرة، هدد النظام منطقة القلمون الشرقي بمصيرٍ مشابه للغوطة، وطلب من المدنيين والفصائل المسلحة الموجودة فيها بالرحيل فوراً، أو أنه سوف يطردهم بالقوة. وتأتي منطقة القلمون بعد الغوطة، كونها واقعة بين حمص وحماة، وعلى الطريق نحو منطقة الساحل.
من يقوم بعملية التهجير مباشرة هي قوات النظام، مدعومة بالمليشيات الطائفية التي يشرف عليها، ويقودها الحرس الثوري الإيراني، بإسناد لوجستي روسي من الجو وفي البر. وقد اختط الروس هذا المسار عن دراية، وهناك تصريح لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أعلن فيه بعد يوم من بدء معركة الغوطة في 18 فبراير/ شباط “عملية حلب واتفاقات انسحاب المسلحين منها يمكن إعادة تطبيقها في الغوطة الشرقية، ونحن نسعى من أجل تحقيق ذلك”.
بدأ المسار الذي أرساه الروس في أستانة من خلال “مناطق خفض التوتر”. تم فصل كل منطقة على حدة وإخضاعها للنظام، وليس من خيار ثالث، إما القتال أو الخروج. وفي كل مرة هناك ذريعة هي جبهة النصرة، وضم الفصائل الأخرى واحتسابها “متحالفة معها”، مع الأخذ في الاعتبار أن خروج “النصرة” لم يغير شيئا في الخطة الروسية، وهذا ما حصل في الغوطة، حيث لم يتجاوز تعداد مقاتلي “النصرة” 300 مقاتل من حوالي 20 ألفا، ينتمون لجيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام.
ولا يعفي هذا جبهة النصرة من المسؤولية السياسية والأخلاقية في المأساة التي حلت بالشعب السوري منذ تشكيلها في نهاية عام 2012، فهي لعبت أدوارا مشبوهة ضد الثورة السورية، وقامت بعمليات قذرة من أجل تقويض الجبهة الداخلية، ووفرت الذرائع للروس والنظام، كما زجّت المدنيين في معارك خاسرة سلفا، مثلما حصل في حلب في أغسطس/ آب 2016، والتي كانت نهايتها تهجير أكثر من 200 ألف، واستيلاء الروس والإيرانيين والنظام على شرق حلب. وحسب الملاحظ في المناطق التي لا تزال خارجة عن سيطرة النظام، فإن جبهة النصرة ماضية في لعب الدور التخريبي الذي مارسته طوال الأعوام الماضية.
يتم مخطط التهجير وفق مشروع النظام للسيطرة على “سورية النافعة” أو “المفيدة”، في ظل دعم الروس من أجل تغيير موازين القوى، لفرض حل سياسي يُبقي بشار الأسد، على الرغم من أنف المعارضة والمجتمع الدولي. مقابل ذلك، تمارس روسيا انتداباً على سورية المفيدة التي عمل النظام والإيرانيون على أن تقتصر على المدن الكبرى، والتخلي عن الأرياف والصحارى. ولن يتأخر تطور المجريات عن كشف خريطة سياسية اقتصادية، تقوم على السيطرة على مصادر الثروات من جهة، وضمان أمن إسرائيل من جهة ثانية، ويجري فيها توزيع النفوذ، بحيث يصبح الشطر الجنوبي الغربي تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والقسم الشمالي الغربي وتدمر تحت سيطرة الروس الذين سيحتفظون بالقسم الأكبر، وتكون لهم سلطة القرار.
هناك أمر مؤكد أن التهجير يتم باستخدامٍ مفرط للقوة، تقوم به، أو ترعاه دولة عضو في مجلس الأمن، تدخلت لحماية وتعويم نظام لم يترك جريمة ضد الإنسانية إلا وارتكبها.
المصدر : العربي الجديد