ينتظر السوريون نتائج الانتخابات التركية أكثر من الأتراك أنفسهم، فهو أمر يتعلق بهم ، وباستقرارهم وبقاءهم في بلاد الجمهورية التركية، فاسطنبول لم تعد الأستانة عاصمة السلطان ولا إسلامبول مركز الإسلام، فهي اليوم عاصمة الربيع العربي كـ “مجاز” ربما، فهي تضم كل الهاربين من بطش حكامهم، وحي الفاتح في اسطنبول مثلاً شبيه بحي الميدان أو باب سريجة في دمشق.
في تركيا السياسة ومجرياتها هي المحدد الأقوى في بلد تحكمها الدساتير لا البساطير، ولذلك مكتوبٌ علينا أن نتعلق بكل أمل، مهما كانت طرقه موحشة أو سهلة.
استخدم بعض المرشحين الأتراك لجوء السوريين كسلعة في برامج انتخابية لا ترقى للبرامج، بقدر ما هي وعود وتهديدات ومناكفات سياسية بعضها عنصري وأغلبها غير مدروس، وغبي، في حين يرتكز حزب العدالة والتنمية على برنامج انتخابي اقتصادي سبقته إنجازات حقيقية ولذلك كانت فرصه بالفوز قوية جداً.
كان السوريون حقاً يتابعون نتائج الانتخابات التركية بشغف كبير، ولو كان يمكنهم الانتخاب لما قصروا، لا شك ليس الجميع، فالشعب التركي نفسه لا يُجمع على محبة أردوغان فهو يأخذ أكثرية الأصوات في الانتخابات أي مالا يتجاوز الـ27 مليون ناخب تركي، ومع ذلك فأغلب السوريين يحبون هذا الشخص، بل بعضهم يقدسه لا يقبل نقده، يصفه بأوصاف تتجاوز المنطق كخليفة وسلطان وزعيم الأمة، ولذلك لأن السوريين من العرب، والعرب يفتقدون أي قائد أو زعيم ملهم أو صاحب إنجازات منذ زمن بعيد.
ننتظر كسوريين انتخابات أميركا بين الديمقراطيين والمحافظين، لا أدري ما هو الفرق المباشر والحقيقي بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، ربما النزعة البيضاء، واللون الأشقر وزرقة العيون، بكل الأحوال مضطرون جداً لأن نصفق لمن غزا العراق كحزب محافظ فهو أميل للحرب وقد يضرب نظام الكيماوي في سوريا وفعلاً استهدفه بصواريخ لم تغير من واقع الإجرام شيئاً، لا يمكن ألا نتابع بقوة هنا فأمريكا قطب العالم الأوحد لأكثر من 40 سنة مضت على الأقل، يحاول الروس اليوم مد رؤوسهم علهم يرون شيئا من هذا العالم وهم يدوسون على رفات السوريين.
ننتظر انتخابات فرنسا بين اليسار واليمين ونقف مع اليمين فهو يجاري الثورات بعد وقوف اليسار ضد ثورة تونس، لا يهم إن كانت فرنسا محتلاً سابقاً فالسياسة مذهب اليوم لا أمس ومصلحة الغد لا اليوم، ذهب ساركوزي و لحق به هولاند ثم جاءنا ماكرون، شاب بمقتبل العمر، وسطي الإيديولوجيا، يقود تحولاً اقتصادياً، يبتعد فيه عن العسكرة قدر المستطاع ولذلك سوريا في آخر اهتماماته تماماً وإن كانت تصريحاته مرتفعة، ولكن برنامجه الانتخابي لا يتضمن رفاهنا أيضاً.
نراقب انتخابات لبنان وحكومات النأي بالنفس، والتي بقيت نائية عن أي مشروع يفيد هذا البلد المريض بأكثر البشر عنصرية وحمقاً، وبهدلة الحريري حد الضرب قبل استقالته “السعودية” المفاجئة ثم التراجع، والقبول بنظام انتخابي يقوي من شوكة إيران في لبنان، وبالتالي مساندتها في حربها ضد السوريين واقتلاع “السنة” من المنطقة وتهجيرهم.
انتخابات العراق، وتراجع المالكي والعبادي الإيرانيين في مقابل صعود الصدر والشيوعيين المدعومين سعودياً ليعود الصدر العربي شهرة وأصلاً للحضن الإيراني في خازوق جديد للسعودية، التي تفهم السياسة بشكل مختلف عن كل البشرية فهي دائماً تخسر حتى في الرياضة خمسة – صفر تخسر.. نحن نتابع كل شيء نعلق على كل شيء.
نتابع بقوة انتخابات الرئاسة في إيران بين المحافظين والإصلاحيين وكأن هناك فرق بين سرطان الدم وسرطان الكريات الحمر، أو أن الرئيس يمون على شيء في دولة بوليسية يرأسها عصابة الولي الفقيه ومجرمو الحرس الثوري بأحلام فارس ونار الصفويين.
حتى أننا تابعنا انتخابات تونس بين النهضة والنداء ، تابعنا موت عبدالله بن عبد العزيز واعتلاء أخيه سلمان لسدة العرش فالمملكة لاعبٌ إقليمي ، تنحي حمد لابنه تميم في قطر البلد الصغير حجماً الكبير سياسةً ، حتى انتخابات ما يسمى بالرئاسة في سوريا المدمرة تابعناها للفكاهة وتضييع الوقت والسخرية من واقع نعرف نتائجه ومسبب خرابه.
تابعنا كل تصريحات الزعماء، مقاطعة قطر أو حصارها، صفقة القرن، محاولات تهويد القدس ونقل السفارة، انتخابات حماس وانتقال القرار لمؤيدي الدور الإيراني في الشرق الأوسط رغم أن دماء أبناء مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين لم تجف بعد، ولا أظنها تجف في قلوبنا أبداً، حتى انتخابات مصر بين السيسي والمرشح الذي لا أذكر اسمه فقد انتخب عبد الفتاح السيسي من باب سد الذرائع أو حب الخير أو سنة حسنة، انفصال بريطانيا عن أوربا ، وتحليلات كثيرة ، كل مواقع التواصل الاجتماعي تضج بما نقوله ونعيده للمربع الأول الثورة السورية بعضهم يقول الفتنة السورية أو الحرب السورية لا يهم نحن نراها ثورة ، وستبقى إلى يوم القيامة ثورة.
ولذلك نتابع كل شيء لأمل ما ، حرية ما ، حياة ما ، ديمقراطية ما ، بصيص ضوء ما ينتهي بعدالة ما.
حتى انتخابات الفيفا بين بلاتر وعلي بن الحسين تابعنها باهتمام وعلقنا عليها،ربما لأن كرة القدم أقرب ما يكون لما يفهمه الشباب السوري في عقود الصمت والخوف الذي عشناه، يعرفون أسماء اللاعبين وأصولهم وما يحبون وما يكرهون ، رواتبهم ، نواديهم، أشهر أهدافهم، أسماء أطفالهم وزوجاتهم، كل شيء كل شيء، فهو أمرٌ لم يكن ممنوع محرم لا يجوز في سوريا “الأسد”.
كل العالم يتدخل في سوريا، ومن حقه الأكيد أن يتدخل في شؤون الآخرين، في انتخاباتهم واستحقاقاتهم وحياتهم، فالعالم يدخل في دمهم، وأرضهم وأحلامهم.
لم يخرج السوريون عن المألوف ولا عن الصحي والطبيعي ، أحياناً فاقد الشيء يتغنى بجماله، وأحياناً يتحسر عليه، ولكن من الأفضل أن يمشي لمثله ، ووحده الشعب السوري يدفع دماً من أجل هكذا لحظات تاريخية، قالها التونسي بدموع غالية في العاصمة تونس بعد الثورة التونسية ، “هرمنا.. هرمنا لأجل هكذا لحظة تاريخية”. آمل ألا يهرم السوريون حتى يروا نصراً عظيماً.
وحتى لا يقال عنا شعب ميت ولا يتابع مجريات العالم ، وإن كان يموت بالحديد والنار كل يوم منذ سبع سنوات ولا أحد يتابعه بشغف كما نفعل نحن.
وطن اف ام