إنه لمما يثير العجب العجاب الخفة التي قبل بها معارضون تاريخيون للتدخل الخارجي الانسياق وراء رغبات خارجية في تشتيت المعارضة باسم توحيدها وإعدادها للمراحل القادمة من تطور الصراع على سورية وفيها، مع أنه كان واضحا مذ طرح مشروع التوحيد المزعوم أن حمله ثقيل بالنسبة لأرجل حمّاله السياسي، الواهية كخيوط من حرير، ومع ذلك، فقد انبرى للمهمة وتعامل معها على طريقة ذلك الضفدع الذي رأى ثورا ضخما، فقرر نفخ جسمه الصغير إلى أن يبلغ حجما كحجمه، فانفجر ومات.
وإنه لمما يثير العجب أيضا السرعة التي ظهرت فيها رغبات الخارج في “توحيد” المعارضة، والتسرّع الذي أبداه الموحدون، والطرق التي فرضوا بها إرادتهم، رغم إعلاناتهم حول تصميمهم على عدم التدخل، والأخطاء التي ارتكبوها هم ومن كلفوا بالتنفيذ من المعارضين السوريين الذين انقسموا إلى جهتين: واحدة تريد استعادة ملك ضاع بكل طريقة، وأخرى تريد ملكا لا تستطيع بلوغه بأية طريقة. هكذا التقت إرادتان سوريتان عاجزتان بإرادة خارجية أشد عجزا، فأنتج لقاؤهما فوضى سياسية وتنظيمية لا تليق بأطفال في العاشرة من عمرهم، فما قولك إن كان الأمر يتعلق ببالغين غير راشدين، يعتقدون خطأ أنهم ثوريون، ويظنون أن ادعاءهم يكفي لفرض أنفسهم على من يرفضون الانقياد لهم، لأنهم لا يرون فيهم قادة أصلا، فهل ينصاعون لهم إن نزلوا عليهم بالمظلة من فوق، تسبقهم أوهام الانتصار الذي سيحرزونه، وستسقط ثماره في أحضانهم، بمجرد أن يفتح باب القاعة الصغيرة التي أعارهم إياها جهاز أخفى هويته المفضوحة وراء المجتمع المدني الغائب عن الوجود، أكمل دوره ألاعيب اخترقت نية “التوحيد” بمحطاته السريعة التتابع، وعمره القصير الذي بدا كأنه كُرّس عن سابق عمد لإفشال المشروع لا لإنجاحه، لذلك رُسم وأُنجز باستعجال يؤكد أن الفاعلين المدبرين هواة لا يحسنون شغلهم، وإلا لما فشل كل شيء قبل أن يبدأ أي شيء.
والأغرب من كل ما سبق أن فصائل من معارضة الداخل لم تأخذ في حسبانها انعكاسات الفشل الذي بدا كأنه كان مقررا سلفا، على أوضاعها الهشة، وأن الأخطاء التي ارتكبت في تحضير لقاء القاهرة كانت نتاج قلة خبرة مواطني دولة هي الأقدم في التاريخ، وأن الارتجال كان يجب أن يلفت أنظار القادمين من كل مكان إلى عقابيله المحرجة والسلبية التي ستؤدي إلى عكس ما كانوا يعلقونه عليه من آمال: وسينتهي إلى إضعاف من حضروه بدل تقويتهم، وعزلهم بدل انفرادهم بالساحة، وأن النظام لن يُسر للارتدادات التي ستفاقم عجزهم، ولا يستبعد أن تفكك صفوفهم وتطيح بالآمال التي علقوها على تليين مواقف الأسد، وحققت عكس ما أرادوه بسبب خفتهم وتسرّعهم وتهافتهم على دفع منافسيهم إلى خارج الشأن العام، بدل أن يحجموا عن مغادرة الداخل قبل توحيد مواقفه وتقريب وجهات نظر معارضاته، إدراكا منهم بأن الضعيف في الداخل لا يصير قويا في الخارج، حتى إن مارس التعري السياسي على كبر، ودعمته ألاعيب عالم عربي عاجز وغارق في مشكلات لا يعرف كيف يتخلص منها، لكنها تعلق آمالها عليه كي يُخرج سورية من كارثتها!
واليوم، وبعد القاهرة، لا مفر من قيام الائتلاف بتنظيم حوار وطني يضم الجميع، يجنّب المعارضة بهادل لقاء القاهرة وخلافات فصائلها، وألاعيب النظام والعرب العاربة والمستعربة، كي لا ينطبق عليها ما قاله شكسبير عن الذين يذهبون لجز الصوف، فيعودون وقد جُزّ وبرهم!
العربي الجديد – وطن اف ام