مقالات

حسين عبد العزيز: رداً على سلامة كيلة.. قراءة خاطئة لأسباب الثورات

كتب الأستاذ سلامة كيلة في “العربي الجديد” بتاريخ 29/ 1/ 2015 مقالاً عن الثورة المصرية، “أربع سنوات على الثورة”، وفيه أن “… الشعب لا يتمرد إلا للشديد القوي، حيث يصل إلى وضع لا يستطيع العيش فيه، وهذا يتوضح في الأرقام، حين تناول البطالة والأجور وانهيار التعليم والصحة والبنية التحتية والحاجة إلى السكن، … يحدث التمرد حين يصل الشعب إلى حالة لا يستطيع فيها العيش، هذا ببساطة أدى إلى إسقاط محمد مرسي وتجربة الإخوان المسلمين”.

وكان قد كتب يومي 2 ـ 3/ 1/ 2015، في “العربي الجديد”، مقاله “أهداف الثورة السورية بعد سيطرة الأسلمة”، وفيه أن “أحزاب المعارضة كانت تعتقد أن الحرية مرتبطة بالليبرالية من دون انفصام، وبالتالي، كان بديلها الاقتصادي هو اللبرلة، وشمل هذا فئات وسطى أيضا، وربما لم يكن في أهداف الأغلبية التي قامت الثورة على أكتافها، حيث كان نزع السياسة والتجهيل الثقافي الذي مارسته دولة البعث يمنع على الطبقات الفقيرة المهمشة أن تعرف معنى الحرية”.

ويتابع كيلة “.. ظهرت أنانية المعارضة والفئات الوسطى منذ بدء الثورة، حين حاولوا احتكار الهدف منها، بحصره في الحرية، أو في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، في عملية تجاهل كاملة لأزمة هؤلاء المفقرين، وهم أغلبية المجتمع، وقامت الثورة على أكتافهم”. وفي المقالين، يجادل سلامة كيلة بأن العامل الاقتصادي هو الحاسم في الثورات، والسبب الذي أدى إلى ثورة يناير في مصر، وإلى سقوط الرئيس محمد مرسي. والأمر كذلك في سورية، حيث أدى التماهي الذي قامت به المعارضة بين الحرية والليبرالية، في الاقتصاد، إلى اللبرلة، وبالتالي، استبعاد العوامل الاقتصادية من أجندة المعارضة، وهي العوامل التي كانت وراء حراك الجماهير الغفيرة ضد النظام، بحسب كيلة. وتحكم قراءة كيلة الثورتين، المصرية والسورية، قراءة ناقصة، أو ربما غير تاريخية، ويبدو أنه ما زال محكوماً بالقراءة التقليدية للماركسية التي تجعل المبنى الفوقي انعكاساً مباشرا للمبنى التحتي، وهي نظرية عفا عنها الزمن، وتم تجاوزها من داخل الماركسية نفسها (غرامشي، ألتوسير).

لم تقم الثورة المصرية لأسباب اقتصادية، من دون تبخيس هذا العامل. حدث تحول مهم في المجتمع المصري في السنوات التي سبقت الثورة، كاتساع دائرة المجتمع المدني، وظهور حركات احتجاجية، مثل حركة كفاية، لعبت دورا مهما في توعية الشعب وتوحيده تحت مطالب التغيير، في وقت بدأ النظام المصري بالترهل على الصعيد السياسي، ومحاولته تعويض ذلك بتشديد قبضته على الحكم، كان من نتيجتها تزوير الانتخابات التشريعية التي سبقت الثورة، لتكون تمهيدا لعملية توريث.

ولو كان العامل الاقتصادي وحده كافياً لتفسير اندلاع الثورة، لتطلب الأمر تساؤلاً كبيراً، لماذا لم تندلع الثورات في الدول الفقيرة والمهمشة فقط؟ كيف يمكن تفسير اندلاع الثورة في تونس وليبيا، حيث الوضع الاقتصادي أفضل بكثير مما هو عليه في مصر وسورية؟ وكيف يمكن تفسير نجاح توقع عزمي بشارة، قبل ثماني سنوات، أن تونس هي الدولة العربية الأكثر ترشحاً للثورة، وهي البلد الذي يتمتع بطبقة وسطى قوية، ومستوى علمي متميز، ومجتمع مدني فاعل؟ لقد بينت التجارب الثورية العالمية أن السياسي، وليس الاقتصادي، هو سبب الثورات، هذه هي المهمة التي تصدى لها مفكرون غربيون كثيرون، منهم صموئيل هتنغتون، في كتابه النظام السياسي لمجتمعات متغيرة، فقد أكد، بناءً على إحصاءات ومعطيات وأرقام، أن الثورات التي اندلعت في أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، كانت بنسبة 90 % منها في البلدان التي حققت نمواً اقتصادياً معقولاً، أما الدول الست الأفقر في أميركا اللاتينية، فلم تشهد حالات تمرد باستثناء بوليفيا.

وكيف يمكن تفسير أن الهند كانت أكثر الدول فقراً في العالم، وحققت درجة عالية من الاستقرار السياسي، في حين فشلت الأرجنتين وفنزويلا من تحقيق الاستقرار السياسي، مع نجاحهما في تحقيق تطور اقتصادي ملحوظ؟ والقائمة تطول، ولا مكان لعرضها هنا.

إن ربط الثورات بالعامل الاقتصادي يخدم الأنظمة الاستبدادية، لأنه يغيب حقيقة هذه الأنظمة والدمار الذي ألحقته في بنية الدولة والمجتمع، ومحاولتها الهيمنة على كينونة الإنسان ومستقبله. والمفارقة الغريبة أن يعتقد شخص بمستوى سلامة كيلة أن سقوط محمد مرسي يعود إلى أسباب اقتصادية، وليس لأن مرسي و”الإخوان المسلمين” حاولوا حكم بلد كبير، كمصر، بمثل حكمهم تنظيماً حزبياً.

دفعت هذه القراءة المجتزأة للثورات كيلة، في الحالة السورية، إلى ممارسة ترف فكري، وإسقاطه، بأثر رجعي، على واقع الثورة، ولقد جانب علي العبد الله الصواب، حين رد على كيلة بأنه استخدم منهجاً ذاتياً، وانطلق من مسبقات نظرية، وراح يسقطها على حالة عينية. أولاً: ربط الحرية بالليبرالية في حالة الثورة السورية لا تاريخي، فهو يتطلب وجود قوى سياسية ذات وزن على الأرض، وقادرة على توجيه الثورة، وهذا ما لم يكن موجودا في تجربة الثورة السورية، فلم تكن ثمة معارضة سياسية منظمة، وذات برنامج، إلا في وقت متأخر من اندلاع الثورة، وكان الأوان قد فات، إذ أفلتت الثورة من أيديهم. ثانيا، المظاهرات السلمية التي عمت البلاد، وشاركت فيها الطبقات الوسطى والفقيرة وبعض الفئات الغنية، لم تكن تحمل أية أيديولوجيات مسبقة، ليبرالية أم اشتراكية، فمثل هذه المطالب كانت خارج المفكر فيه، لأن اللحظة التاريخية لا تسمح بذلك. كان مفهوم الحرية، ببساطته، يتضمن أبعادا اقتصادية وسياسية واجتماعية، من دون تنميطها بنظريات اجتماعية.

ثالثاً: الانتقال إلى صيغة إسقاط النظام لم تأت نتيجة ربط الحرية بالليبرالية، بل جاءت بعد وصول المتظاهرين إلى قناعة بأن النظام غير قابل للتعديل، أو التطوير، بعد لجوئه إلى الحل الأمني حلاً استراتيجياً مترافقاً مع مسحات تجميلية، على المستوى السياسي. وعليه، لن يتم أي تغيير منشود في سورية إلا بإسقاط هذا النظام. وفي تحميل المعارضة مسؤولية انزياح الثورة عن مطالب الفئات الفقيرة والمهمشة، المتمثلة بتحسين الوضع المعيشي، بربط الحرية بالليبرالية، تجنٍّ ليس على المعارضة فحسب، بل على الثورة أيضاً.

العربي الجديد _ وطن اف ام 

 

زر الذهاب إلى الأعلى