تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات يقرأ الموقف في شكل متأنٍ ومختلف. ورغبة تركيا في استمرار الحرب على سورية، بجماعات مسلحة متناحرة، لمنع تكرار تجربة الاكراد في العراق، صار مقلقاً لكل الاطراف.
والمعارضة السورية ادركت ان اشتراط رحيل النظام، قبل بداية العملية السياسية قضية مستحيلة. والنظام السوري تفهم ان البطش لا يحسم المعركة، رغم دعم ايران. وهو اصبح مدركاً ان «أضعف الحيلة خير من أقوى الشدة، وأقل التأني خير من أكثر العجلة». الازمة السورية لم يعد لها مخرج سوى السياسة. لكن الوضع على الارض ساخن ومتشابك، فضلاً عن ان الحل السياسي المنتظر يشبه نزع الشوك من المرفق.
الحل السياسي القادم في سورية، هو عنوان ترتيبات الامن الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط. لكن الخلاف على سورية، أعمق من تشابك الارهاب مع الملف النووي الايراني. في بداية الثورة السورية، تجاهل بعض دول المنطقة طبيعة موقع سورية الجغرافي والسياسي، وقلل من دور مصر، التي تعتبر استقرار الوضع في سورية جزءاً من امنها القومي.
فضلاً عن ان القاهرة ترى ان وصول جماعة «الاخوان» الى حكم سورية اشد خطراً من بقاء النظام السوري. تداعيات الحرب ونتائجها عاودت ترتيب المواقف. مصر خرجت من التحالف العربي – الغربي – التركي. والسعودية، ربما، تراجع مكاسبه وخسائره.
وتفاضل بين موقف القاهرة العربي، وتطلعات انقره، وان شئت مصالحها واطماعها. لكن موقع سورية وحدودها ستحميها من انهيار سريع. ناهيك عن ان انهيار دولة الامويين، على طريقة دولة العباسيين في العراق، سيكون كارثة كبرى في الشرق الاوسط. وعلى رأي هنري كيسنجر «لا سلام من دون سورية»، وان شئت لا استقرار.
والدول العربية، المعنية بالقضية السورية، تدرك انها من دون تحالف اميركي على الارض، لن تستطيع حسم معركة الاستنزاف. وهذا الاخير اصبح الحل العسكري، بالنسبة اليه، مجرد وسيلة لم يحن وقت استخدامها.
تركيا لعبت، حتى الآن، دوراً محورياً في انهاك الدولة السورية، وسهلت دخول الجماعات المسلحة من جميع دول العالم. وهي اصبحت محطة «ترانزيت» لكل المقاتلين على الارضي السورية، رغم ادعاء الاتراك انهم لا يعلمون عن دخول المقاتلين الاجانب الى سورية عبر حدودهم. حرب الاستنزاف الجارية في المدن السورية، ان استمرت على هذا النحو، ستفضي حتماً الى إسقاط الدولة السورية. هل من مصلحة العرب اسقاط الدولة السورية مثلما حدث في العراق؟
لا شك في ان العرب تعاملوا مع الازمة السورية بأخطاء، فاقت اخطاءهم في العراق. والشاهد على هذا موقف الجامعة العربية في بداية الازمة، الذي لا يمت للسياسة بصلة. كان موقفاً حماسياً او عاطفياً. هي طردت مندوب سورية. وفي اليوم التالي اسندت الحديث مع سورية وعنها للاتراك. عاود العرب الغياب السياسي في هذه الازمة، مثلما غيبهم ما يسمى «دول جوار العراق» عن المشهد العراقي.
الاكيد ان وقف الحرب في سورية، بأي شكل، حماية لدولة عربية محورية ومهمة، وحقن لدماء الشعب السوري. والتمادي في الاستزاف يعني مزيداً من قتل السوريين، ودعم الارهابيين، وتسهيل اطماع الايرانيين والاتراك.
الحياة _ وطن اف ام