يصر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على قيام عملية سياسية بقيادة سورية، ويحدِّدُ لها توقيتاً في بداية الشهر الأول من العام الجديد 2016. الموعد الذي يتحدث عنه القرار انتهى، والأمل معقود الآن على أواخر الشهر الحالي، بعد ميوعةٍ اكتنفت تحديد التاريخ، ولم تفضِ، حتى الآن، إلى نتيجة واضحة.
يصر وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، على أن المؤتمر سيعقد هذا الأسبوع، لكن الضباب الكثيف يلف القضية برمتها، فالخلاف ما زال على أشده حول طبيعة الوفد الذي سيفاوض النظام، لتشكيل حكومة “ذات مصداقية”، كما جاء في القرار الأممي.
بعد الكشف عن أسماء المشاركين، ارتفعت أصوات من مسؤولي الدول الكبرى، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لفرض أسماء وتيارات جديدة على الوفد المقترح من هيئة المفاوضات الناتجة عن مؤتمر الرياض، وذهبت موسكو إلى حد أبعد، فهدّدت بإدخال وفد ثالث في المفاوضات، إذا تم رفض مقترحاتها.
لا يذكر القرار الأممي شيئاً عن طبيعة الوفود، ولا يحدّد عددها، فهو يقفز، فوراً، إلى ما قد يصدر عنها، لكن العقبة الأولى التي أجلت انعقاد المؤتمر، من أوائل الشهر إلى آخره، وربما إلى أبعد من ذلك، هي طبيعة أفراد ذلك الوفد المعارض.
بدت هيئة المفاوضات واثقةً، وهي تعلن بقوة عن أسماء مرشحيها، وحاسمة أكثر بتسمية ممثل “جيش الإسلام”، محمد علوش، كبيراً للمفاوضين، والعسكري المنشق، الرفيع الرتبة، أسعد الزعبي، رئيساً للوفد، معلنةً بذلك عن نية “هجومية” وأسلوب حوار مر، ستجريه مع وفد النظام. ولقطع الطريق أمام أي تدخلات محتملة بشأن أعضاء الوفد المشاركين في الحوار، أطلق المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، تصريحات قاطعة برفض أي تغيير، أو تعديل، أو إضافة إلى اللائحة المقدمة لعضوية الوفد، تحت تهديد شديد اللهجة بعدم المشاركة.
تزامن وجود كيري في الرياض، تحت عنوان عريض ومسبق الترتيب، للقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، مع وجود نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، في اسطنبول. أعلن كيري من الرياض أن لقاء ممثلي النظام والمعارضة سيحصل هذا الأسبوع. وفي اسطنبول، كان بايدن يقول إن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة!
ومن شأن هذا التصريح أن يريح الجانب التركي الذي اقتصر اهتمامه، أخيراً، على أن يكون ممثل الكرد في وفد المعارضة خارج إطار جبهة صالح مسلم، لكن تصريحات سفير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في فرنسا، منذر ماخوس، توحي بتلبد لقاء اللجنة العليا للمفاوضات مع كيري الذي هدد بأن عدم حضور الوفد إلى المفاوضات يعني أن المعارضة ستخسر دعم واشنطن، من دون أن يذكر ماخوس ما إذا كان كيري قد ضغط على حجاب، لإجراء تغيير في بنية الوفد المشارك.
لا يبدو أن كيري أخذ بنداءات موسكو لضم عناصر جديدة ترضى عنها، وربما اكتفى بتقديم “النصح” للمعارضة بالحضور، مع تعهده لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بالعمل على إزاحة الأسد في اليوم التالي. وفي هذه الحالة، ستمضي روسيا في تشكيل وفدها المعارض الخاص، المصمم بنكهة مميزة، لن تخرج عن إطار مؤتمرات موسكو واحد وموسكو اثنين.
يظهر وزير الخارجية كيري مفتقداً للحيلة أمام خطوةٍ من هذا النوع، ولا يستطيع أن يمنع روسيا من تشكيل وفدها، فمهمته انتهت بتقديم واجب النصيحة.
وبقي الأمر بيد مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، الشخص المخول بإرسال الدعوات؛ نسف جدية أي مؤتمر والبحث عن هياكل “وطنية” هشّة لملء مقاعد المفاوضات وتخريب أي حل حقيقي، هي مهمات دأبت روسيا على القيام بها، منذ الفيتوهات الشهيرة في بداية الثورة، والفصل الحالي صفحة أخرى جديدة، تحاول إبقاء الأمر كما هو عليه.
والوفد الثالث الذي قد يدعوه دي ميستورا سيدمر وثيقة الأمم المتحدة التي نصت على هذا اللقاء، والفشل معناه البحث عن صيغة جديدة لعقد مؤتمر جديد، وهو الوقت المطلوب لاستكمال تدخلات عديدة، بدأت تباشيرها مع أول طائرة روسية خرقت المجال الجوي السوري، وعلى متنها طيار روسي.
المصدر : العربي الجديد