اعتقد كثيرون، لحظات غير قليلة، أن التدخل العسكري التركي في سورية بات مسألة وقت، وربما ساعات وأيام. لطالما قطعت الحكومة التركية جميع علاقاتها مع النظام السوري، وطالبت مراراً برحيله أو إسقاطه، واتبعت سياسة إعطاء الفرص والمهل، وأعلنت عن خطوط حمر كثيرة، من “لن نسمح بتكرار حماة ثانية” وصولاً إلى إعلان أعزاز خطاً أحمر.
لعل أقوى لحظات الاعتقاد بأن هذا التدخل بات أكيداً لحظة إعلان تركيا والسعودية الاستعداد للتدخل البري في سورية، والحديث عن وصول طائرات سعودية إلى الأراضي التركية، إلى أن أعلنت تركيا موافقتها على الاتفاق الأميركي – الروسي لوقف القتال في سورية، بعد أقوى موجة تصريحات تركية بشأن التدخل البري.
السؤال هنا: لماذا تعثّر التدخل العسكري التركي في سورية؟ في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التوقف عند جملة من المعطيات والأسباب، لعل أهمها: عدم وجود قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز التدخل العسكري في سورية، تهرّب الولايات المتحدة والحلف الاطلسي من خيار التدخل العسكري، لأسباب كثيرة تتعلق بطبيعة سياسة باراك أوباما، عدم استجابة الولايات المتحدة للشرط السعودي – التركي بقيادة التحالف الذي سيقوم بعملية برية في سورية، اشتراط الجيش التركي التدخل العسكري بوجود قرار من مجلس الأمن، وأخيرا الخشية التركية من أن يؤدي مثل هذا التدخل إلى صدام عسكري مع روسيا، لن يكون في صالحها، خصوصاً في ظل التحالف الروسي – الإيراني الداعم للنظام السوري.
ثمّة من يرى أن هذه الأسباب، وعلى الرغم من منطقيتها، إلا أنها لا تكفي لتبرير عدم التدخل، لمجموعة من العوامل، لعل أهمها: القناعة التركية بأن كلفة انتظار حل الأزمة السورية باتت أكبر من كلفة عدم التدخل العسكري، في ظل التمدد الكردي في شمال سورية، واحتمال انتقال الحدث الكردي إلى الداخل التركي، خصوصاً في ظل تجدد الحرب بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، وزيادة وتيرة الانفجارات في المدن التركية.
إن النظام السوري بدا الرابح الأكبر من وقف إطلاق النار، وفقا للاتفاق الأميركي – الروسي، خصوصاً أن الاتفاق نص بالاسم على الجيش السوري طرفاً في محاربة الإرهاب، وعلى عدم شمول وقف إطلاق النار “داعش” وجبهة النصرة، وجميع المجموعات التي ستصنفها الأمم المتحدة في لائحة الإرهاب. ولعل مثل هذا الاتفاق سيكون سلباً على الاستراتيجية التركية تجاه الأزمة، سواء لجهة جعل مجموعات كثيرة مسلحة مدعومة من تركيا مستهدفةً، أو لجهة دفع تركيا إلى الالتزام بوقف قصف وحدات حماية الشعب الكردية التي سيطرت على مناطق حدودية عديدة مع تركيا، وتحظى بتعاطف ودعم وتأييد من كرد تركيا في الداخل.
وفي جميع الأحوال، ربما تجد تركيا نفسها بعد اليوم أمام إقليم كردي جديد على حدودها الجنوبية، سيكون بالتأكيد داعما لتطلعات كرد تركيا. ثمة من يرى أن في التاريخ التركي الحديث أمثولة سابقة على التدخل العسكري، على الرغم من الظروف الصعبة المماثلة للتدخل العسكري في سورية، وأقصد هنا الاجتياح العسكري التركي لشمال قبرص عام 1974، والذي كان في عهد مؤسس الإسلام السياسي التركي، نجم الدين أربكان الذي يعد معلم أردوغان، فتركيا اليوم التي ربطت قرارها بموافقة أميركية هي نفسها تركيا التي اجتاحت قبرص، من دون موافقة أميركية، ودخلت في مواجهةٍ سياسيةٍ مع الاتحاد الأوروبي، مازالت مستمرة بسبب القضية القبرصية.
مهما يكن، ينبغي القول إن التدخل العسكري التركي في سورية لم يعد يتواءم حتى مع حسابات تركيا الداخلية والخارجية، بعد أن قلب التدخل العسكري الروسي في سورية الموازين والحسابات، واتبع الغرب سياسةً قامت على الانكفاء أولاً، واستنزاف الدول الإقليمية المعنية بالأزمة السورية ثانياً. باختصار، هذه حكاية التدخل العسكري في سورية، والتي يبدو أنها اقتربت من نهايتها، بعد أن كانت تركيا أول الموافقين على الاتفاق الأميركي – الروسي، لوقف إطلاق النار.
المصدر : العربي الجديد