لا يناقش أحد في أهمية إستعادة تدمر من “داعش” والإرهابيين الذين يدمرون البشر والحجر، ولكن أياً كانت تعليقات النظام السوري الذي يحاول تصوير إستعادة المدينة الإستراتيجية والتاريخية، على أنها صك براءة له في قتال الوحش الذي خرج أصلاً من رحم مذابحه، التي إستولدت “داعش” وإستجلبت الإرهابيين من أصقاع الأرض الى سوريا، فلن ينسى أحد كيف إنسحب النظام من تدمر في ايار من العام الماضي دون قتال تاركاً كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.
لن نماشي قول المعارضة إن النظام كما سَلّم تدمر تسلمها تسليماً الآن لدعم موقفه في المفاوضات، لأنه لولا الطيران الروسي لم يكن النظام وحلفاؤه ليستعيدوها، ويأتي هذا في السياق الميداني المعروف منذ ايلول الماضي، عندما عدّل التدخل العسكري الروسي الميزان العسكري بعدما كان النظام محاصراً على رغم دعم ايران وحلفائه.
ما يثير الإستغراب ان يسارع الأسد الى وضع إصبعه في عين أوباما، بالقول إن إستعادة تدمر تؤكد نجاعة إستراتيجيته في قتال “داعش” بعدما فشل التحالف الذي تقوده أميركا في ذلك، وليس المهم فشل اميركا المعروف، بل الحديث عن نجاعة تلك الإستراتيجية الدموية التي دمرت سوريا وكادت ان تخسر معاقلها الأخيرة لولا التدخل الروسي الناجع.
هل يحاول النظام إستهبال واشنطن، عندما يسارع مندوبه في الأمم المتحدة بشار الجعفري الى القول إن سوريا مستعدة للتعاون مع أميركا في تحالف دولي ضد الإرهاب، “لكن فقط اذا نسّقت الولايات المتحدة مع دمشق بشكل لم تفعله حتى الآن!”.
أكثر من هذا، حاول الجعفري المضي في السياسة التي سبق لموسكو ان وبّخت دمشق بسببها، عندما قال “إن التحالف الدولي لم ينجح لأنه لم ينسق مع دمشق، لكن روسيا نجحت لأنها فعلت ذلك” بما يعني ان بوتين يعمل وفق روزنامة الأسد، وليس كما قال ميخائيل بوغدانوف قبل أسبوعين من ان على الأسد ان يعمل وفق روزنامة موسكو لكي يخرج بكرامة من الأزمة!
غريب ان يستمر هذا التناقض في التصريحات والمواقف، فحتى عندما نُسب الى الاسد قوله إنه لا يفاوض المعارضة وان كل المعارضين إرهابيون، سارع النظام الى نفي هذا الكلام بينما تعمّد بوغدانوف الذي سيبدأ جولة تشمل قطر والكويت ومصر القول، إن موسكو مستعدة لإستقبال ممثلين للهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة من قمة الرياض للمعارضة السورية، وانه وجّه اليهم دعوة لزيارة موسكو!
وعلى رغم ان واشنطن نفت ما أعلنته موسكو عن إقتراب جون كيري من منطق سيرغي لافروف، حول عدم البحث في مستقبل الأسد الآن وانها تعتبر ان الإنتقال السياسي معناه لا مكان للأسد، ها هو الأسد يضع شروطاً لقبول التحالف مع اميركا لمحاربة الوحش الذي صنعه… فعلاً غريب !
المصدر : النهار