كشف انهيار أكبر شبكة دعارة للإتجار بالبشر في مدينة جونية (لبنان)، الوجه الوحشيّ والخفيّ للحرب السورية. وجه غاب عن بال الأطراف المتنازعة، الإقليمية منها والدولية، المنهمِكة بلعبة الشطرنج والربح والخسارة عسكرياً وتفاوضياً. تقهقرٌ إنساني وأخلاقي بدأ يلوّح مستغيثاً: ٧٥ امرأة سورية أسيرات شبكة دعارة يديرها لبناني وسوري، استدرجن ووجدن أنفسهنّ مجبرات على ممارسة البغاء، تحت تهديد العنف الجسدي والنفسي والضرب والتشويه. وقد أجريت لهؤلاء عشرات عمليات الإجهاض بمساعدة طبيب لبناني معروف، بعدما أجبرن على ممارسة الجنس من دون وقاية، فضلاً عن الأمراض الجنسية المختلفة التي أصبن بها.
ولولا جرأة فتيات أربع بينهنّ هربن من الحراسة المشدّدة الى البوليس اللبناني، ونزاهة الضابط الذي تولّى القضيّة، لما تمّ الكشف عن هذه التجارة البشرية الوسخة، خصوصاً بعدما ازداد الكلام عن تورّط مسؤولين لبنانيين كبار في التغطية على هذه الشبكة.
ليست هذه الشبكة الوحيدة التي تتاجر بالمأساة السورية، وقد كانت قبلها وبعدها شبكات لم ولن تكشف، تجرّ الأوجاع الإنسانية، وتدرّ الأموال على تجّار الحرب. يصوّر مسلسل «أول الغيث» على «يوتيوب»، التجارة المنظّمة بأعضاء السوريين، جراحات تُجرى سرّاً في مستودع أحد المستشفيات اللبنانية، وتقتلع عيناً أو كلية أو كبداً مقابل مبلغ زهيد من المال، يتقاضاه سوري بائس يحلم بباخرة تقلّه الى أوروبا، حيث «حياة جديدة» في انتظاره.
وفي المسلسل، يختلط تجار الأعضاء بتجار السلاح والدين الذين يضخّون جمهور الشباب بالأفكار المسمومة، ويتاجرون بأجسادهم وأرواحهم، ويرسلونهم بحماسة الى الموت. وما يجري في لبنان، يجري في تركيا عبر شبكات بيع منظّمة عابرة للحدود، وهو ما كشفته تحقيقات صحافية عرضتها التلفزيونات الفرنسية وتناولت خضوع مرضى أوروبيين لعمليات نقل لأعضاء بشرية سورية في المستشفيات التركية، بعلم ومباركة رسميين.
وفي الأرقام، كشفت جريدة «السفير» اللبنانية في نيسان (أبريل) ٢٠١٣، توثيق ١٨ ألف حالة لسرقة أعضاء بشرية في الشمال السوري. كذلك، تحدثت «شبكة شام» المعارضة عن تحوّل المستشفيات العسكرية السورية الى ما يشبه الدكان، يجد فيه تجار الأعضاء لدى المصابين على فراش الموت، كلّ ما يحتاجونه بأبخث الأثمان. أما عصابات «داعش»، فقد حلّلت شرعاً بيع أعضاء الأسرى، وقتل الأطفال المعوقين، واغتصاب الفتيات غير البالغات، وبيع النساء سبايا وغيرها من «القواعد الجديدة» للإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
… ثم يحدّثونك عن الحرب، وتحقيق الإنجازات الميدانية والتفاوضية. إن حرباً، أيّ حرب، مهما كانت إنجازاتها العسكرية والسياسية والديبلوماسية، فإن عواقبها الإنسانية والأخلاقية أكبر وأخطر وأعمق بكثير، ولا شفاء منها ولو بعد أجيال. لقد أعادت الحرب العراقية والسورية، وقبلها اللبنانية والفلسطينية – الإسرائيلية المستمرّة، المنطقة وأهلها سنوات ضوئية الى الوراء، مشرّعة القتل والذبح والاغتصاب وبيع النساء والأطفال وغيرها من أساليب التوحّش والشراسة المجرمة واستباحة جسد الآخر وروحه أبشع استباحة.
والسؤال اليوم: من يمكنه أن يوقف هذا التقهقر الإنساني والتاريخي والاجتماعي والأخلاقي؟ وكيف؟.
المصدر : الحياة