يكثُر الطبّاخون الدوليون هذه الأيام، لكن البحص الإسرائيلي الذي يغلي على نار الحلول السياسية الفاشلة يبقى بحصاً، فمنذ مؤتمر مدريد للسلام في ٣٠ تشرين الثاني من عام ١٩٩١حتى اليوم، لم تتمكن كل المحاولات الأميركية والروسية والأوروبية من ان تحمي منزلاً فلسطينياً واحداً من الجرافات الإسرائيلية التي مضت بعيداً في الاحتلال والتهويد، فكيف بالحديث عن التسوية وإقامة الدولة الفلسطينية؟
الأسابيع الماضية شهدت تحركات دولية جديدة على خط القضية الفلسطينية، ولكن ليس من المتوقع ان يتغيّر شيء في الواقع البغيض الذي يفرضه الاحتلال، ذلك ان فرنسوا هولاند لم يكن وحيداً في سعيه الى تحريك القضية، قبله سارع البيت الأبيض فور الإعلان عن المبادرة الفرنسية التي انطلقت على أساس السعي الى إحياء “المبادرة العربية للسلام”، الى الإعلان ان باراك اوباما ينوي التحرك لإخراج عملية السلام من غرفة الإنعاش!
وبعده مباشرة تعمّد سيرغي لافروف الإدلاء بتصريحات مثيرة رافقت زيارة بنيامين نتنياهو لموسكو، قال فيها إن نتنياهو وافق على محتوى “المبادرة العربية للسلام” التي كانت قد أقرّتها قمة بيروت في آذار عام ٢٠٠٢، لكن النفي الإسرائيلي جاء فورياً، عندما قال نتنياهو إن هذا الأمر لم يُبحث فيه إطلاقاً مع الروس، بينما سارع “البيت اليهودي” الى الإعلان ان هذه المبادرة لن تقوم ولن تحيا!
المثير ان كلام لافروف جاء بعد محادثاته مع نده الفلسطيني رياض المالكي، عندما قال إن هناك مكاناً للتفاؤل، خصوصاً لأن نتنياهو كرر في خلال حديثه مع فلاديمير بوتين ذِكر المبادرة العربية مرات عدة، معتبراً أنها تمثل أساساً مقبولاً للجميع من أجل مواصلة الجهود، ولم يقترح إدخال أي تعديل عليها، لكن نتنياهو نفى كلياً ان تكون المحادثات تطرقت الى هذه المبادرة!
وإذا كان هذا يقفل الباب الروسي الذي حاول بوتين فتحه لتحريك التسوية، فقد سحب نتنياهو البساط من تحت المبادرة الفرنسية التي جمعت عشرين دولة تمهيداً لاستئناف التحرك، عندما اقترح الاستعاضة عن المؤتمر بعقد لقاء في باريس بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة واضحة لإقفال الباب في وجه التحرك الفرنسي. ثم جاء تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع بمثابة رسالة الى باريس وموسكو وواشنطن مفادها ان اسرائيل ترفض التسوية السلمية وتمضي في سياسة التهويد والاحتلال، التي لا تقتصر على محاولة ابتلاع ما تبقى من فلسطين بل يتم الإعلان عن ضم الجولان نهائياً!
المضحك المبكي ان أوباما الذي فشل خلال ثمانية أعوام في أحياء التسوية ذكّرنا بفشله الصارخ عندما أعلن انه في صدد البحث عن خاتمة فلسطينية لرئاسته التي بدأت بوعود زهرية حول إقامة الدولتين، لكنها خاتمة لن تتجاوز محاولة غسل يديه من وحول التعامي عن جرائم اسرائيل المتمادية!
المصدر : النهار