مشاعر وانطباعات متداخلة أثارتها القمة العربية في نواكشوط «الأقصر زمنا والأقل حضورا» كما عنونت «القدس العربي» يوم أمس.
لا فائدة كبيرة في تبيان أن هذه القمة لم تخرج بشيء محدد وذي قيمة، فذاك كان شأنها في الأغلب، ولا في استعراض اللغة الإنشائية المتكررة في صياغة المواقف. ربما يكون مفيدا، إلى حد ما، التوقف عند بعض النقاط التي تجلت في هذه القمة الأولى التي تحتضنها موريتانيا علنا نقف على بعض «الخيبة» التي كشفتها «قمة الخيمة»:
ـ الفقر ليس عيبا ولكن مجرد أن تنعقد قمة عربية في خيمة كبيرة لأن البلد لا يضم قاعة مؤتمرات كبرى مجهزة لمناسبة كهذه، أو أن هذه القاعة ليست مهيأة كما ينبغي لحدث ضخم، فهذا مؤشر في حد ذاته عن الوضع الاقتصادي والخدمي المزري الذي تعيشه بعض الدول العربية رغم مضي عقود طويلة على استقلالها (موريتانيا استقلت 1960).
ـ ولأن الفقر ليس عيبا مرة أخرى، فما كان لعديد القادة العرب أن يتغيبوا لو أن هذه القمة عقدت مثلا في السعودية أو الإمارات أو غيرهما من دول الخليج العربية فالذهاب إلى عواصم دول كهذه مغنم سياسي وحتى شخصي (!!) بينما موريتانيا المسكينة لا تملك ما يمكن أن يغري بالقدوم كمكانة مالية وبالتالي سياسية. هذه القمة تذكر بأعراس أولاد الذوات التي يتقاطر عليها الجميع بينما لا أحد يتجشم عناء خاصا لحضور حفل زفاف إبن البواب أو الفراش، وهو ما يتكرر حتى في الجنازات… !! هذا لا ينفي أن بعض الغيابات قد تكون مبررة فعلا، فضلا عن أن البعض تعود أصلا على عدم الحضور.
ـ لا أحد يعلم على وجه الدقة مستوى الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة الموريتانية لتأمين سلامة الرؤساء العرب ووزاء خارجيتهم ومختلف الشخصيات الهامة التي جاءت لحضور القمة، لكن يفترض أن ذلك تم تأمينه فعلا بالتنسيق المسبق مع مسؤولين أمنيين من كل دولة يتم إرسالهم للغرض قبل الحدث. ومع ذلك، تخوض الأصوات الإعلامية المصرية حاليا في ما تقوله أنه محاولة اغتيال كانت تنتظر السيسي إن هو ذهب إلى هناك. أمر لا يمكن الجزم بصدقه من كذبه لكن الأكيد أن محاولة كهذه، حتى لو تأكدت يقينا في دولة عربية أخرى كبرى كالسعودية أو الجزائر أو المغرب، لما نبست هذه الأصوات المأمورة دائما، بأي كلمة تشير من قريب أو من بعيد لذلك. لكنها موريتانيا…المسكينة.
ـ ولأن الرجل بالرجل يذكر، فقد ضاعت في موريتانيا لقطة معبرة جدا على المنصة: كان يفترض أن يسلم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز رئاسة الدورة الجديدة جامعة الدول العربية. كنا سنحضر تسليم عسكري انقلب على رئيس مدني منتخب الرئاسة لعسكري آخر انقلب هو الآخر على رئيس مدني منتخب. الأول أطاح بالرئيس محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 ثم رتب لاحقا انتخابات رئاسية ظن أنها تضفي على انقلابه الشرعية، والثاني انقلب في آب/أغسطس 2008 بأول رئيس مدني منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ثم رتب هو الآخر انتخابات توجته رئيسا. الفرق بين الاثنين أن السيسي زج بمرسي في السجن ويلاحقه بقائمة طويلة من المحاكمات والأحكام بينما لم يفعل محمد ولد عبد العزيز ذلك بولد الشيخ عبد الله. وهذه تتفوق فيها موريتانيا على جميع العرب فالرؤساء السابقون فيها لا يسجنون ولا يقتلون.
ـ القمة أعادت للشاشات وللمسرح السياسي شخصية مصرية أقل ما يقال فيها أنها لا تحظى بأي وفاق أو إجماع، حتى لا يقال شيء آخر…، هو أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري في عهد مبارك والأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية. مجرد طلته وحديثه تحيل إلى تاريخ طويل من الممارسات غير الودية تجاه القضايا العربية الكبرى، حتى لا يقال شيء آخر… مجرد اختيار شخصية كهذه لإدارة مؤسسة عربية، حتى وإن لم تعد تملك من الأمر شيئا، فيه من الإساءة وقلة التوفيق الكثير، ولكن رداءة المرحلة كلها وهزالها وهزال من يتحركون فيها، ما كانت في الحقيقة لتفرز اسما آخر.
ـ أشفقت على المبعوث الدولي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد وهو يلقي كلمته في حضرة رئيسه الموريتاني. تذكرت ما جرى للمرحوم محمود المستيري وزير الخارجية التونسي السابق ( 1987/1988) والدبلوماسي المحنك حين اختير مبعوثا دوليا إلى أفغانستان عام 1994، فقد استقال من هذا المنصب بعد سنتين لأسباب صحية كما أعلن وقتها لكن ما أكدته مصادر أخرى لاحقا هو أنه دفع لذلك بعد ما تضايق الرئيس بن علي وقتها من الصيت الدولي للرجل الذي بات معروفا أكثر منه!!
شذرات متناثرة… لا يمكن أن يقال عن قمة نواكشوط أكثر منها.
المصدر : القدس العربي