“أنا أعرف حقيقة كيف تكون لاجئا ونازحا تعيش على رحمة الآخرين، وعليك أن تتوازن في آن معا”
مارتي أتساري – رئيس فنلندا السابق
أيا كان مستوى الجهود الدولية التي تبذل للتقليل من كارثة النزوح، فهي قليلة. وأيا كانت “جودة” صدق النيات حيال هذه المصيبة، فلا قيمة لها. وأيا كانت هوية المتسبب أو المتسببين بهذه الكارثة، فهذا أمر يبحث في مرحلة لاحقة للعلاج، أو في أفضل الأحوال مع العلاج نفسه. الشيء الثابت أمام الجميع، أن الحروب والنزاعات المسلحة هي “المنتِج” الأكبر لعديد من النازحين ضمن نطاق الوطن الواحد، وأن ما اصطلح على تسميته “المجتمع الدولي”، لم يقم بما يكفي لإيقاف هذه النزاعات، بل على العكس تماما، تجد دولا كبرى يفترض أنها تمثل جزءا من الأمان العالمي، هي نفسها أطراف في هذا النزاع أو ذاك، وفي هذه الحرب أو تلك. وعندما يكون الأمر كذلك، علينا أن نتخيل مصير أي حل دولي للنزاعات المتفاعلة على الساحة.
في العام الماضي، بلغ عدد النازحين (وليس اللاجئين) رقما قياسا عند 40 مليون نازح، وفق “مرصد أوضاع النزوح الداخلي”، الذي يتخذ من جنيف مقرا له. لا غرابة إذا كان العدد الأكبر من هؤلاء في سورية والعراق واليمن. فهذه البلدان تشهد حروبا ونزاعات طويلة، ولا توجد في الأفق (حتى الآن) أي بوادر للحل فيها. إضافة طبعا إلى نازحين في بلدان كالهند والصين ونيبال. والبلدان الأخيرة “أنتجت” النازحين بفعل الكوارث الطبيعية المتكررة إلى جانب النزاعات بالطبع. إلى جانب هذه البلدان، هناك دول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبعض المناطق الحدودية بين عدد من الدول. أي أن خريطة النزوح الدولية متعاظمة، وستبقى على هذا النحو إلى أجل لا يبدو أنه سيكون قصيرا.
والمثير في الأمر أيضا، أن بعض البلدان لم تسجل أي تحسن على هذا الصعيد، منذ أكثر من 13 عاما! على الرغم من أن نسبة النزاعات فيها خفت بعض الشيء. ويرى “المرصد” المذكور، أن مجرد استقرار حالة النزوح يمثل مصيبة. لا أحد يتوقع ألا يكون هناك نازحون في مناطق الصراعات والحروب، غير أن المعضلة، أن كل “الجهود” الدولية التي تبذل لإيقاف هذه النزاعات، لا قيمة عملية لها. والسبب الرئيس (بل الوحيد) يكمن في أن هذه “الجهود” لا ترقى إلى مستوى خطورة هذا النزاع وتلك الحرب.
في السنوات القليلة الماضية، فضلت إدارة الرئيس باراك أوباما (مثلا) اتباع سياسة العقوبات والدبلوماسية غير المجدية في كثير من النزاعات المشتعلة. والنتيجة هي تلك التي تسود المشهد العام، بمزيد من النازحين واللاجئين أيضا. فشلت هذه الإدارة حتى في تقريب وجهات النظر مع البلدان الأخرى صانعة القرار العالمي.
ليس مهما الآن الحديث عن صناعة القرار العالمي بذهنية الموظف لا القائد. هذا ما قدمه أوباما للعالم طوال السنوات التي قضاها في البيت الأبيض. المهم الآن كيف يمكن الحد من الآثار المدمرة للنزوح في النازحين أنفسهم، طالما أن العالم فشل في إيقاف النزاعات المسببة له؟ بمعنى آخر، هل استطاعت البلدان المحورية في العالم أن تسهم في تخفيف المعاناة عن النازحين؟ الجواب يبقى “لا” كبيرة جدا. فإذا كان التمويل في بعض الحالات يمثل العائق الأكبر، فإن الفشل حتى في الوصول إلى بعض مناطق النزوح لا يقل عن فداحة العائق الأول. وجدنا مناطق محاصرة في سورية والعراق (على سبيل المثال) لم تستطع المنظمات الدولية من الوصول إليها، لا لإطعامها فقط، بل لإيصال الدواء والماء وحليب الأطفال لها!
والأمر يمتد إلى بلدان إضافية في قارات مختلفة، ما دفع رئيسة “مرصد أوضاع النزوح الداخلي” ألكسندرا بيلاك للقول: “هذا يثبت مرة جديدة أن الضحايا يستمرون في حالة النزوح سنوات، بل حتى عقودا، ما لم يحصلوا على مساعدة”. لا عجب مرة أخرى، إذا ما عرفنا أن السنة الماضية، كانت العام الرابع على التوالي التي يصل فيها عدد النازحين داخل بلادهم إلى رقم قياسي.
وبالطبع لم يصل أي تحرك حتى إلى نصف المسافة نحو عين المصيبة. ويضاف إلى هذه الأخيرة حقيقة أن نظام المساعدات الدولي نفسه يحتاج إلى سلسلة من الإصلاحات فشلت أيضا البلدان المعنية به في الوصول إلى حلول وسط بهذا الشأن. وقد بدا هذا واضحا، في قمة الأمم المتحدة الأخيرة بإسطنبول، التي عقدت أساسا لمعالجة نظام المساعدات الإنسانية المعيب.
وللعلم فقط، ترك هذا النظام (وفق أرقام المنظمات الإنسانية التابعة للمنظمة الدولية) 130 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات! وعندما يكون هذا العدد من البشر بهذه الوضيعة الإنسانية، فإن هذا “النظام” ليس نظاما بل مهزلة.
ماذا يريد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون؟ يريد خفض عدد النازحين في العام إلى النصف بحلول عام 2030! هذه أيضا مهزلة أخرى استنادا إلى “الإنجازات” المروعة بهذا الخصوص. لا شيء يضمن حياة إنسانية كريمة، إلا العمل الحقيقي على إيقاف النزاعات والحروب، أو على الأقل حصرها بأقل مساحة جغرافية ممكنة. وأمام الفشل في ذلك، يعيش العالم حاليا أسوأ أزمة نازحين على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. علما بأن هذه الأخيرة كانت عالمية، وليست محلية!
المصدر : الاقتصادية السعودية