يُعلَن من مدينة هانغشتو الصينية، في تجمع لقادة قمة العشرين، عن توافق أميركا وروسيا على خطة حل في سورية. وصل رئيسا الدولتين إلى الصين، وفي حقيبة كل منهما جدول أعمال مليء باللقاءات الجانبية، الأمر الذي لا يتيح حيزاً واسعاً لحوارات مشتركةٍ معمقة، لكن المناسبة وفرت منبراً للحديث عن اتفاق أتمّته الدبلوماسية خلال الأسابيع الماضية يعلن عنه الآن.
يقلص انخراط الروس المباشر في الأزمات هامش المناورات السياسية، ويزيد من أعبائهم المادية، في حين تستخدم الولايات المتحدة خططاً بديلة تبدأ بالعقوبات، وتتطوّر لتصبح حصاراً اقتصادياً شاملاً، قبل اللجوء إلى الخيار العسكري لسحق أعدائها. وأحياناً، تُمرَّر المصالح الأميركية خلال الصراعات القائمة بدون تكلفة تذكر.
في 14 ديسمبر/ كانون الأول عام 1995 في ولاية أوهايو الأميركية، وقِّعت اتفاقية سلام أنهت حرب الثلاث سنوات على البوسنة. كان هدف الحرب إخضاع سراييفو للصرب، وكان التفوق الصربي ضد مسلمي البوسنة واضحاً في فترات الحصار، قبل أن تتدخل قوات حلف الأطلسي (الناتو) لتنقلب الموازين، ويُجبر رئيسُ صربيا على توقيع اتفاقية السلام.
الحكم الروسي، ذو الصفة الشمولية، لم يلتفت لتبرير موقفه من خسارة حليفه الصربي، فلم يخرج الرئيس الروسي، أو وزير الدفاع، ليشرح للجماهير، سبب صمت بلاده على تحليق طائرات “الناتو” ضد حلفائهم، حيث لا اعتبار لرأي الشعب في أدبيات الحكم الروسية، وإنما يُترك للمحللين تفسيرُ ما جرى.
في عام 2001 ألقي القبض على حليف السوفييت، سلوبودان ميلوسيفيتش، ونقل إلى محكمة لاهاي من دون اعتراض من أحد. وفي العراق، أَعدمت الولايات المتحدة صدام حسين، حليف المعسكر الشرقي، بقرار محكمةٍ عينتها دولة الاحتلال. وبعد عقد، غطت طائرات “الناتو” في ليبيا عملية اغتيال القذافي، واكتفت روسيا بإبداء عدم الرضى. في الدول التي تحكمها المافيات، مثل روسيا، تتخذ العصابة الحاكمة رأياً منفرداً تقبض فيه أثمان مواقفها، ولا تتسرب معلوماتٌ عن حجم الرشاوى التي وضعها الحكام في أرصدتهم إلا بعد عقود.
تستغل أميركا هذه الحماسة السوفييتية للكسب، وتراقب، من بعيد، زجّهم أنفسهم في الصراعات الدامية، فخلال جهودهم الحربية المشتركة عام 1941، اشتبه السوفييت بأن الأميركيين والإنكليز تآمرا لجعلهم يتحملون العبء الأكبر من المعركة ضد ألمانيا النازية، ومن ثم اشترك الحلفاء الغربيون في قتال اللحظات الأخيرة، وأثروا على التسوية السلمية، وسيطروا على أوروبا من دون تكلفةٍ تذكر.
أمرٌ شبيهٌ ورد على لسان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منذ أشهر، حين قال “إن روسيا تغرق في المستنقعين، السوري والأوكراني”. تشعر روسيا دائماً بأن عليها البذل لمنع اختلال مصالحها، بينما تبدو أميركا لاعباً مسترخياً، يستطيع أن يجيِّر أي حدثٍ لمنفعته الخاصة. وعلى الرغم من أن التدخل الروسي في سورية قد أثَّر في تعديل كفة الميزان بين النظام ومعارضيه، لكنه لم يحقق فوزاً كاسحاً للحليف الأسد، ولم يتمكّن من إعادة المدن السورية إلى السيطرة، ولم يحسم القتال على الرغم من مرور عام على التدخل.
فبعد إحكام حصار حلب الذي تعاونت فيه “السوخوي” مع مليشيات النظام السوري، استطاع الثوار فك هذا الحصار، ثم عاد النظام واستعاد كلية المدفعية. دفع هذا الكر والفر تركيا التي دعمت كتائب معارضة إلى تطهير حدودها الجنوبية، وحجز موطئ لها في قرية الراعي داخل الأراضي السورية، من دون اعتراضٍ من روسيا.
وانطلق الثوار إلى قرى حماة الشمالية، فسقطت بيدهم واحدة تلو الأخرى، وعلى الرغم من المكتسبات الأخيرة للنظام في الراموسة، لكن تهاوي المروحيات الروسية واحتراق جثث طياريها أثّر في تليين صلابة مواقف الروس، فطرحوا أخيراً قبولهم خطةً تقضي بانسحاب قوات النظام من طريق الإمداد شمال حلب، بالإضافة إلى التلويح بحالة هدنةٍ ستغطي حلب. تُظهر المرونة رغبة روسيا في تحقيق أي حلٍّ يوقف تمدد المعارضة، في مقابل برودٍ أميركي لا زال يدير اللعبة عن بعد، ويتعلل باختلاف وجهات النظر مع الروس.
المصدر : العربي الجديد