إنه لأمر ذي مغزى أن تجتمع «النواة الصلبة» لما كان يسمى بمجموعة أصدقاء سوريا، في مركز أبحاث في لندن، للاستماع إلى «رؤية» الهيئة العليا للتفاوض لـ»الحل السياسي» في سوريا. وما يزيد من عبثية المشهد، ويعطيه حجمه الحقيقي في حسابات الدول، مشاركة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في ورشة العمل البحثية هذه، عبر دارة تلفزيونية، بالصوت والصورة!
فالرجل السبعيني أتعبته أسفاره الكثيرة إلى موسكو وسوتشي وغيرها من مدن العالم، في ملاحقة زميله الروسي لافروف، والرئيس الروسي بوتين، بحثاً عن حل للمشكلة السورية التي شيَّبَت شعر رئيسه أوباما، وآن له أن يرتاح يوماً من عناء السفر، ويقوم بواجباته عبر وسائل الاتصال الحديثة، بدلاً من رحلة جديدة إلى لندن. خاصةً وأن ما سيسمعه من رئيس الهيئة التفاوضية العليا رياض حجاب، لن يغير شيئاً في معادلات الصراع أو في اجتراح حلول سحرية، بعدما أعلن أوباما الآيل إلى الرحيل عن البيت الأبيض، من الصين، عدم الوصول إلى اتفاق مع الروس على وقف إطلاق النار، وعن «أزمة الثقة» بين واشنطن وموسكو التي أفشلت الوصول إلى الاتفاق، على رأيه.
أزمة ثقة! وليس إعادة حصار حلب الشرقية بفضل الطيران الروسي المتخصص في استخدام أسلحة محرمة دولياً، وفي قصف المستشفيات والمباني الآهلة بالسكان!
أزمة ثقة، وليس عدم اتخاذ مجلس الأمن الدولي أي موقف (حتى لا نقول أي إجراء) من ثبوت إدانة النظام الكيماوي باستخدام السلاح الكيماوي، على قدم المساواة مع داعش على الأقل، وفقاً للجنة التحقيق الأممية التي قدمت له تقريرها.
أزمة ثقة، وليس استخدام روسيا لقواعد جوية إيرانية في قصف المدن السورية.
وكل ذلك من أجل مجرد إعادة تثبيت ما سمي بـ»وقف الأعمال العدائية» الذي أفشله الروسي قبل عميله الكيماوي في قصر المهاجرين، ولا يرضيه مجرد التباحث في وقف تحليق طيران النظام المتخصص في قتل المدنيين ببراميله الشهيرة التي دخلت التاريخ.
يلاحظ أنه كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية انخفض سقف «المطالب» (!) الأمريكية من روسيا. فقد نسي كيري، في زحمة أسفاره المرهقة ومفاوضاته «الشاقة» مع الشريك الروسي الفاقد لثقة واشنطن، أنه كان قد حدد موعداً، وإن كان «مرناً»، لبدء المرحلة الانتقالية، في مطلع شهر آب الذي مضى منذ أسابيع، وبات كل جهده ينصب لإقناع الشريك الروسي بإعادة فتح طريق الكاستيلو لمرور المساعدات الإنسانية!
في حين تصل ملايين الدولارات من الأمم المتحدة إلى «جمعية البستان» المملوكة لرامي مخلوف، لتمويل مجموعات الشبيحة التي أصبحت خارج سيطرة «مؤسسات الدولة» العزيزة على قلب الأمريكيين والروس، وفقاً لتقرير صحافي نشر قبل أيام وأكد تفسخ تلك المؤسسات بما يفوق أكثر التوقعات تشاؤماً.
وفي حين تصل ملايين أخرى، من المنظمة الأممية نفسها، العاجزة عن إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة من قبل الميليشيات المتعددة الجنسيات، إلى محافظة حمص، لإعادة تأهيل السوق الأثري الذي دمره النظام، في السنوات السابقة، على رؤوس أصحابه.
«سيكون السوق نقطة جذب للسياحة»! قالها مسؤول محلي في النظام المدان رسمياً باستخدام الكيماوي، في غمرة الترويج السياحي الذي يقوم به وزير السياحة في الآونة الأخيرة، ويسمي النزوح الداخلي للمدنيين الهاربين من البراميل القاتلة بالسياحة الداخلية! نعم، أليس قسم من نازحي حلب، خلال السنوات الماضية، في رحلة استجمام طويلة على شواطئ اللاذقية؟
هذه ليست زلات لسان أو أخطاء غير مقصودة في التصريحات الإعلامية لمسؤولي النظام. بل هي عمل مقصود تماماً كنوع من مد لسان السخرية من العالم الذي يتساهل مع مجرم مدان، مهما ارتكب من جرائم في سوريا أو دول الجوار. وفي الأمس أدانت محكمة لبنانية ضباطاً في المخابرات السورية، بالاسم، قاموا بتفجير جامعين في طرابلس، بعد ثلاثة أيام من الهجوم بالسلاح الكيماوي على الغوطتين الغربية والشرقية قرب دمشق. هذا الهجوم الذي قام به النظام على مرأى مفتشي الأمم المتحدة الذين كانوا في دمشق في ذلك الوقت. نعم، يتصرف النظام بوقاحة أكثر كلما أحس بأن أقوياء العالم ما زالوا يسمحون له بمواصلة تدمير سوريا فوق رؤوس السوريين.
في طريق عودته من قمة العشرين التي انعقدت في الصين، سئل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن فحوى اللقاءات الثنائية التي عقدها مع زملائه، فقال إنه أكد على زميله الروسي ضرورة وقف إطلاق النار في حلب قبل حلول عيد الأضحى، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى القسم المحاصر من المدينة، ليتمكن الهلال الأحمر التركي من إيصال الملابس والأدوية وألعاب الأطفال، قال أردوغان الذي لا يمكنه أن ينسى أن العيد للأطفال أولاً! ونقل عن بوتين تفاؤله بشأن الوصول قريباً إلى وقف إطلاق النار.
أما عن باراك أوباما فنقل أردوغان رغبة الرجل في «عمل مشترك» مع تركيا من أجل الرقة! مع العلم أن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو كان واضحاً بشأن ضرورة قيام «إدارة علمانية» في سوريا تمثل جميع الأطراف، مع التوكيد على وحدة الأراضي السورية!
لكل ما سبق، يبدو مفهوماً لماذا تَعقدُ النواة شديدة الصلابة لأصدقاء الشعب السوري ورشة عملها الفكرية في مركز أبحاث لندني، بمشاركة باهتة من الدول الإقليمية، وعبر وسائل الاتصال من جون كيري، للاستماع إلى «رؤية» الهيئة العليا للحل السياسي، التي باتت شبه متطابقة مع «رؤية» قرار مجلس الأمن بشأن الحل السياسي (6 أشهر للتفاوض، و18 شهراً للانتقالية! الدقة مطلوبة)، في الوقت الذي بات العالم بغالبية دوله الفاعلة يكاد يتبنى «رؤية» النظام للمشكلة (حرب على الإرهاب) وللحل (إعادة إعمار ما دمره النظام بأموال الأمم المتحدة، واستكمال التجريف السكاني بإشراف الأمم المتحدة، لتعود «سوريا الأسد أو نحرق البلد» جنةً سياحية بإشراف الأمم المتحدة)
عصفورية!
المصدر : القدس العربي