ذستنتهي معركة الموصل عاجلاً أم آجلاً، وستعود المدينة إلى قبضة العراق، لكن كارثة إنسانية وعسكرية وسياسية ستكون بانتظار العراقيين والسوريين، ومن خلفهم الأمة، بعد أن يكون تنظيم «الدولة الاسلامية» قد انكفأ على نفسه وتراجع وتقهقر وفر مقاتلوه إلى أماكن أخرى مختلفة.
أسوأ ما ينتظر العالم العربي من جراء معركة طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» هو أن الولايات المتحدة تبدو عازمة على الدفع بقواتها الى المنطقة من جديد، تحت ستار قتال هذا التنظيم، ليكون بذلك الحزب الجمهوري الحاكم (ترامب) قد عاود الدفع بقواته بعد ثماني سنوات أمضتها الادارة السابقة (أوباما) في سحب قواتها من العراق والمنطقة، وهو ما كان قد أعطى للعرب تفاؤلا بأن تنتهي السنوات العجاف لوجود القوات الأمريكية في المنطقة.
ثمة حديث قوي في الولايات المتحدة عن خطة أمريكية لمواجهة تنظيم «الدولة»، ورغم أن الخطة غير واضحة إلا أنّ المؤكد أنها ستنطوي على نشر جنود أمريكيين في العراق وسوريا، وربما في دول أخرى من المنطقة، وهو ما يعني أن الرئيس الأمريكي الجديد قد يتجه تدريجياً نحو تبني سياسة شبيهة بتلك التي تبناها جورج بوش، القائمة على المغامرات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، رغم أن الجميع يعلم بأن المنطقة والعالم يدفعون اليوم ثمن السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة عندما قررت تدمير العراق، وتنظيم «الدولة» الذي يشغل العالم اليوم ليس سوى امتداد لمجموعات مسلحة ظهرت في العراق عندما انهار النظام وعمَّت الفوضى بدخول الاحتلال الأمريكي.
كارثة الدفع بقوات أمريكية جديدة الى المنطقة، وانتشار عدد من هذه القوات داخل الأراضي السورية ليست الوحيدة التي تنتظرنا نحن العرب بعد انتهاء معركة الموصل، فثمة كارثة ثانية، هي أننا سنكون أمام جيل جديد من الإرهابيين وموسم جديد من العنف بسبب أن عدداً كبيراً من مقاتلي التنظيم فروا أو في طريقهم للفرار في جيوب بعيدة عن القتال، بينما يسقط أغلب الضحايا من المدنيين والأبرياء ممن لا حول لهم ولا قوة.
انهيار تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا وفقدانه للمناطق التي يسيطر عليها لا يعني مطلقاً أن التنظيم سيكون قد انتهى، وأن قدراته العسكرية والقتالية وقدرته على توجيه الضربات ستنهار، وتاريخ تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان يشهد على ذلك، حيث انهار حكم طالبان والقاعدة في أفغانستان عام 2001 لكن هذا لم يكن يعني مطلقاً أنهما لم يعودا موجودين، فضلاً عن أن أغلب المحللين يعتقد أصلاً أن تنظيم «الدولة» وجماعة الزرقاوي في العراق ليسا سوى امتداد لفلول الهاربين من أفغانستان.
أما الكارثة الثالثة التي تنتظر الأمة فهي إنسانية، وهنا يدور الحديث عن مليون شخص تقريباً يعيشون في الموصل والمناطق التي شهدت وتشهد المعارك منذ خمسة شهور، ومن هؤلاء المليون أصبح لدينا 238 ألف نازح، بحسب تقديرات منظمة الهجرة الدولية، فضلاً عن أن تقديرات الأمم المتحدة تتحدث عن أن هذا العدد قد يرتفع الى المليون، أو ربما هناك مئات الآلاف ممن لم تتمكن المنظمات الدولية من إحصائهم أو حتى الوصول اليهم، ما يعني أن الكارثة الإنسانية الناتجة عن معارك الموصل تقترب في حجمها من الكارثة التي نتجت عن أحداث سوريا المستمرة منذ 6 سنوات.
هذه الكوارث الثلاث وربما غيرها أيضاً تنتظر العرب بعد انتهاء معركة الموصل، وبعد أن تتضح تفاصيل الخطة الأمريكية لمواجهة تنظيم «الدولة»، وما إذا كانت هذه الخطة ستتضمن هجوماً أمريكياً برياً على مدينة الرقة، معقل التنظيم داخل الأراضي السورية. وبينما يدفع العرب ثمن الفوضى التي تجتاح المنطقة، وهي الفوضى التي نجم جزء كبير منها عن السياسات الأمريكية السابقة، فإن المشكلة الأساس تظل في عدم وجود مشروع عربي للتعامل مع أزمات هذه المنطقة، حيث لا يزال العرب «مفعول به» وليس «فاعلا» في المنطقة التي يُفترض أنهم ودولهم من يحدد مصيرها، وليس غيرهم.
المصدر : القدس العربي