«يسعون إلى ظروف عيش خانقة تتعذر الحياة معها وتحمل الناس على المغادرة والهجرة»، يقول ناشط تتاري معتقل في سيمفيروبول حين كلامه عن تاريخ الضغوط الروسية. وغالباً ما يغض النظر عن تغيرات سكانية في القرم الأوكرانية منذ ضمها إلى روسيا في 2014. ويقول مسؤولون أوكرانيون ومحللون إن مئات آلاف الأشخاص من روسيا جلبوا إلى المنطقة المتنازع عليها. فموسكو تسعى الى تغيير نسيج السكان. فمنذ 2014، نظمت عمليات نقل جموع كبيرة من سيبيريا إلى القرم، يقول سيرغي، وهو انتقل إلى القرم من سانت بطرسبرغ. ويخال المرء في بعض الأحيان أن نصف سكان سيبيريا انتقلوا فجأة الى القرم. وتشير الإحصاءات الروسية الرسمية إلى انتقال حوالى 247 ألف روسي إلى القرم منذ ضمها.
وفي الوقت نفسه، غادر 140 ألف نسمة شبه الجزيرة، وجلهم من الأوكرانيين والتتار القرميين ممن انتقلوا إلى البرّ الأوكراني. ولكن الأرقام الأوكرانية تفوق نظيرتها الروسية بمئات الآلاف. وبلغ عدد سكان القرم في إحصاء أوكراني صادر في 2001، 2.4 مليون نسمة، 60 في المئة منهم من الإتنية الروسية، و24 في المئة أوكرانيون، و10 في المئة من التتار. ولكن إحصاء سكانياً روسياً في 2014 يشير إلى أن عدد السكان هو 2.285 مليون نسمة، 65 في المئة منهم روس، و15 في المئة من الأوكرانيين و12 في المئة من التتار.
وينتقل موظفون بيروقراطيون مع عائلاتهم إلى القرم، وأفراد عائلاتهم يبحثون عن عمل. وشطر كبير من العمال الروس يقصد القرم للعمل في مشاريع إعمار وإنشاء تدور في فلك الدوائر العسكرية. وثمة 40 ألف قرمي (من أبناء القرم) مسجلون في لوائح النازحين في البر الأوكراني، وعشرات آلاف من أمثالهم لم يدرجوا بعد في اللوائح هذه. وفي 27 أيار (مايو) الأخير، أعلن الزعيم التتاري مصطفى جميليف أن عدد المهاجرين من روسيا إلى القرم يتراوح بين 850 ألف شخص ومليون.
وتغيير النسيج السكاني في أرض محتلة هو جريمة حرب استناداً الى اتفاق جنيف 1949. ومنذ ضم القرم في 2014، أنشئت قواعد عسكرية روسية جديدة في شبه الجزيرة، ووسعت القواعد السابقة هناك. فالقرم تُحشى بالقوات الروسية والموظفين الأمنيين لإنشاء مجتمع موالي ثقة.
و «ربما ما فعلته هو ثمرة البروباغندا، فأنا أقدمت على الانتقال إلى القرم من دون تفكير. وهذا مؤشر إلى أداء بوتين الجيد هناك (في القرم)، يقول انتون ليشزاروف الذي انتقل للتو من نوفسيبرسك إلى القرم.
وفي أماكن كثيرة، ولّد سيل الروس توترات ونزاعات مع السكان المحليين. فالقادمون الجدد يحظون بامتيازات في الحضانات والمدارس، ولهم الأولوية هناك». وهذا جلّ ما يسع موسكو تقديمه للمستوطنين الجدد. ولكن السكان المحليين يصطفون في صفوف طويلة في انتظار أمكنة في الحضانات لأولادهم، وفي بعض الأحيان يضطرون إلى اللجوء الى القضاء لدخول الحضانة. «سيفاستوبول صارت غريبة عني، لم أعد أستطيع التعرف إليها. فالحكومة تنحاز الى القادمين الجدد، وهؤلاء لا يمدون الجسور مع المحليين. هذه مدينتنا، ويجب أن نوجه دفتها بأنفسنا»، تقول إحدى قاطناتها.
المصدر : الحياة