مرَّ الأسبوع الأول من المونديال بلا أي متعة أو إثارة، بل حفل بكثير من الكوارث والانتكاسات. وغير بعيد عن المفارقات الفنية التي طبعت الأسبوع الأول من هذا الحدث الكروي الذي ينتظره العالم بشغف كل أربع سنوات، يبدو أن المونديال أصابته ضربة نحس وسوء طالع، حين حضر مباراته الافتتاحية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وضيفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي ذهب إلى موسكو لتشجيع فريق بلاده في مباراة الافتتاح مع فريق روسيا، وكانت النتيجة أن الفريق السعودي انهزم بخمسة أهداف، ولم يسجل أي هدفٍ في مرمى الخصم الروسي، وشكل ذلك حرجاً لبن سلمان، لم تنفع معه مواساة بوتين له بعد كل هدف، بل تحولت تلك المواساة المسرحية إلى مادة تندّرٍ جرى تداول الفيديو الخاص بها على وسائل التواصل.
جاءت الجلسة الافتتاحية وفق هوى بوتين الذي كان ينتظر بن سلمان، من أجل عقد لقاء ثنائي يتعلق برفع إنتاج النفط، على الرغم من أن هذا القرار سوف ينعكس سلباً على الأسعار التي تحسنت منذ حوالي عام، وهذا أمر توقفت عنده وسائل الإعلام العالمية باعتباره مؤشراً مهماً إلى أن بوتين يريد تحقيق أغراض سياسية من المونديال، تبدأ بتلميع صورته في وقتٍ يمارس جيشه القتل في سورية، ويحمي نظاماً من مجرمي الحرب، ويحتل أراضي في أوكرانيا، ويقوم بتصفية الصحافيين والمعارضة في بلاده، لكن الأمر لا يقف هنا، بل يذهب إلى أسلوب تنظيم الحدث، واستثماره سياسياً، ويظهر ذلك في كل التفاصيل التي لاحظها الصحافيون الأجانب الذين كتبوا تحقيقات ميدانية، ومنهم صحافيون في صحيفة لوموند الفرنسية، ذهبوا حتى غروزني من أجل معاينة موقع الرياضة في هذه المدينة التي دمرها الروس، وباتوا يحكمونها الآن بالحديد والنار، عن طريق أتباع بوتين المحليين. وسلطت “لوموند” الضوء على احتفال رئيس الشيشان، رمضان قديروف، باللاعب المصري محمد صلاح. ونقلت شهادات عن بعض الأهالي عن حياة الرعب التي يعيشونها، وكيف أنهم جرى سوقهم بالقوة من أجل مواكبة المونديال، وتحدثوا عن عمليات ترهيبٍ لم يشهدوها أيام حكم أجهزة “كي جي بي” في زمن الاتحاد السوفياتي السابق. وهناك من كشف عن اختيار جماهير خاصة لحضور المباريات، تحت إشراف أجهزة الأمن الروسية، وظهر هذا جلياً في الملعب خلال مباراة روسيا ومصر.
لم يغير المونديال شيئاً من سلوك روسيا في مجال حقوق الإنسان، ورعايتها أنظمةً تقتل شعوبها. وفي المقابل، تبين أن كل ما صرفته من أموال على البنية التحتية لم يأت بنتيجةٍ على صعيد تبييض سجلها الأسود، وتحسين سمعتها في نظر الرأي العام والإعلام العالمي، واختفت عن هذا الحدث كل مظاهر الاحتفال الكوني، والمتعة التي عاشها العالم في الدورات السابقة، وخصوصاً مونديال عام 2014 الذي جرى في البرازيل، وكان أكثر إمتاعاً وأصالة، ويمكن القول إن حصيلة الأسبوع الأول من المونديال سجلت فشل رهان بوتين على هذا الحدث، فلم يتمكن الروس من إشاعة أجواء مونديالية، تغطي على الفظائع التي يمارسونها، سواء تعاطي المنشطات، وإرسال مجموعاتٍ من الزعران، للتخريب في جميع المناسبات الرياضية الدولية، أو ممارسة القتل في سورية، وكما شكل هذا الموضوع مثار اهتمام للسوريين على وسائل التواصل، كان شاغل عديد من وسائل الإعلام العالمية التي تابعته باهتمام شديد.
في مونديال البرازيل، لم تكن هناك أهداف غير المتعة، وعاش العالم بعيداً عن استثمار الكرة سياسياً. وبالتالي جرى الاحتفال كطقس برازيلي، يعبر عن البساطة والتلقائية والتنوع والاحتفاء بالحرية والرقص والموسيقى، وكل العادات التي تميز هذا الشعب المسالم، في حين أن شبح بوتين، الرئيس المافيوزي، يحوم في كل مكان، طقساً من طقوس مونديال هذا العام.
المصدر : العربي الجديد