هناك مظلومية كردية في سوريا عنوانها الأبرز غياب الحقوق التعليمية والثقافية والسياسية. وهي مضافة لجملة المشكلات التي كان يعانيها الشعب السوري وكانت سببا في ثورته. بعد أن حاصر داعش كوباني / عين العرب واحتل قرى واسعة للأكراد بصفة خاصة، برز للإعلام موقفا يقول إن كتيبة كردية جهادية اقتحامية لكوباني تقاتل مع داعش، ومقابل ذلك قيل أن هناك كتائب عربية قاتلت مع الأكراد داخل كوباني ذاتها.
الأكراد قللوا من شأن كتيبة داعش الكردية أو العربية المناصرة لهم، وأكدوا أن داعش مدعوم من قرى عربية شارك شبابها في الحرب ضد القوى الكردية في كوباني.
فشل داعش في احتلال كوباني رغم أنّه دمرها ثم انسحب منها ومن قرى محيطة بها على وقع المقاومة الكردية والعربية بمساعدة قوات التحالف، ولكن القوات الكردية والعربية استغلت انسحاب داعش لتتقدم نحو قرى عربية في محيط الحسكة والرقة، وهنا برز موقف عربي يقول بتهجير الأكراد لقرى عربية وحرق بعضها نتيجة مشاركة تلك القرى في محاصرة عين العرب.
الأكراد يتهمون أهالي تلك القرى بمحاربتهم، والآن أصبح العرب يقولون إن الأكراد حرقوا قراهم، وبالتالي تتشكل مظلومية ثأرية بين السكان المحليين ويتعمق الصراع بينهما، فلم يعد بين أكراد مظلومين ونظام يدعي العروبة بل أصبح الأمر بين جماعات تتشكل منها المدن الشرقية.
يدعم ذلك التهجير الواسع للأهالي المدنيين عربا أو أكرادا أو أشوريين، وهذا ما ستستفيد منه قوات التحالف في تمزيق العلاقة بين تلك المجموعات. الأمر عينه يحدث في العراق، حيث دخلت داعش قرى كردية وباندحارها عادت القوات الكردية ودخلت قرى عربية، وباعتبار الحدود ملغاة بين المنطقتين بسبب دولة “الخلافة” وقوات التحالف وفشل الدولة المركزية، فإن احتمال اندلاع حروب ذات طبيعة قومية تتصاعد، وليست جولات الثأر الحالية إلا فصلا منها.
الأخطر الاتهام العنصري الذي يتم تداوله، أن كل عربي هو داعشي كما يقول الأكراد، وأن كل كردي ساع إلى دولة كردية مستقلة عن سوريا كما يقول العرب. هذا الاتهام تقوله قلة متعصبة من الطرفين. الحقيقة أن هناك عربا سوريين دواعش وهناك أكرادا انفصاليين، ولكنهم القلة بين المجموعتين القوميتين.
النظام السوري عمّق الخلاف بين الأكراد والعرب، وهناك انعدام ثقة بين الأطراف، وتخوّف من المستقبل بشأن العلاقة بين هذه الجماعات. فالأكراد لا يثقون بإمكانية إنصافهم مجددا ويتساءلون عن الضامن لتحقيق ذلك، والعرب لا يأمنون لطموحات الأكراد سيما أنهم لا يناضلون من أجل حقوقهم داخل سوريا كأقلية قومية، بل يعتبرون أنفسهم قومية مساوية للعربية ويطالبون بتغييرات دستورية وسياسية واسعة دون التوقف عن إطلاق المواقف السياسية اليومية والتي تشير إلى عمق العلاقة إما مع أكراد تركيا أو أكراد العراق.
بغض النظر عن هذه الالتباسات، فإن هناك مشكلة تتعلق بمستقبل العلاقة بين هذه الجماعات، ولا يمكن التقليل منها واعتبارها ليست قومية بل هي كذلك. ثم إن المشتركات بين العرب والأكراد لم تحدث تقاربا بينهما. إذن اختبار داعش للعلاقة بين القوميتين لم يدفعهما للتقارب بل زاد حدة التباعد.
الأكراد والعرب والأشوريون في سوريا أمام معادلة محددة، إما الإقرار بالهوية القومية وحينها سيكون الاعتراف بقومية عربية كبرى وقوميات صغرى وبالتالي ستتأسس الدولة القادمة وفق هذا الاعتبار، وإما الانطلاق من المواطنة وحينها سيكون الاعتراف بأن كافة المواطنين متساوون أمام الدستور مع وجود مناطق لها طبيعة قومية تتمتع بحقوق سياسية خاصة شريطة ألا يتعارض ذلك مع الحكومة المركزية.
في سوريا تختبر قوى قومية وجهادية العلاقة بين القوميات، وتستفيد أميركا وإيران الوالجة في سوريا والعراق من ذلك؛ وتفشل القوميتان في التغلب على هذا الاختبار والبحث عن المشتركات فهل يمكن تجاوز كل ذلك؛ ما قلناه كاحتمالات بداية الحل، وربما يستمر الاختبار الثأري حاليا.
العرب اللندنية _ وطن اف ام