مقالات

أنور القاسم – ” داعش “التي قسمت العالم … والدولة الاسلامية التي وحدت الإعلام … والإعلانات تفسد دراما رمضان

 ينقسم الإعلام الغربي هذه الأيام بحدة حول وجوب إلغاء تعبير ISIS أو لقب «الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» واستبداله بـ «داعش» باعتباره الأكثر تعبيرا عن واقع هذه المنظمة، التي صارت مادة دسمة على الموائد الإعلامية الغربية وضيفا شبه يومي في أعمدة المحررين. 

القضية بدأت تثار مجددا بعد الهجوم الإرهابي على السياح في شاطئ سوسة التونسي، والتحرك السياسي البريطاني، الذي طالب هيئة الاذاعة والتلفزة البريطانية «بي بي سي» باعتماد صفة «داعش» في تقاريرها وأخبارها بدل استخدام مصطلح الدولة الاسلامية الذي يسبغ عليها صفة الدولة بدل المنظمة الإرهابية.

ووصل الأمر أن طالب رئيس الحكومة البريطانية، دايفيد كاميرون، من «بي بي سي» اعتماد تعبير «داعش»، بدلاً من «الدولة الإسلامية». معتبراً أنّ في التعبير الأخير إهانةً للمسلمين. لكن مدير «بي بي سي»، توني هول، تجاهل عريضة موقعة من 120 برلمانياً، تدعو إلى استخدام لقب «داعش». وبرّر عدم تجاوبه مع العريضة، معتبراً أنّ «على القناة أن تكون عادلة مع تسمية هذه المجموعة، إلا أنّه سيحاول أن يعتمد عبارة «الجماعة التي تعتبر نفسها دولة». وأغضب هذا الأمر بالطبع البرلمان البريطاني.

وفي مقابلة صحافية قالت النائبة في البرلمان البريطاني، تاسمينا أحمد شيخ: «شهدت في الآونة الأخيرة، تشجيعاً كبيراً في استرجاع لقب «داعش» بدلاً من «الدولة الإسلامية»، من الكثير من السياسيين، وكنت سعيدة بتضامن وزير الدولة لشؤون الدفاع، مايكل فالون».

بينما قال فالون رداً على سؤال حول ذلك في البرلمان: «حلفاؤنا في الخليج يستعملون تعبير «داعش»، وكما طلب كاميرون، علينا حثّ «بي بي سي» على استعمال التعبير أيضاً». وأضاف: «نحن نستعمل تعبير ISIS (الدولة الإسلامية في العراق والشام). وربّما يكون الوقت متأخراً لاستبدال هذا التعبير بـ «داعش»، لكن علينا محو أي إشارة إلى شرعيّة التنظيم».

ويرفض التنظيم الإرهابي استعمال لقب «داعش» للإشارة إليه. وفي تقارير سابقة، توعّد بـ «قطع لسان مَن يُشير إليه بهذا التعبير».

وهاتان التسميتان تفرقان الفضائيات أيضا ووسائل الإعلام الدولية والعربية، بحيث لا يوجد أي إجماع في التلفزيونات والفضائيات العربية مثلا، وكل جهة تتبع الوصف الذي يعكس الموقف السياسي لأصحاب ومالكي المحطات إن كانوا دولا أو مجموعات.

وكان رئيس الحكومة الأسترالية، توني أبوت، دعا سابقا إلى عدم استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية»، لإن في ذلك اعترافا بهذه المجموعة الإرهابية، مما يسيء الى سمعة الدين الإسلامي». وقال: «إذا كان لقب «داعش» يزعج هذه المجموعة… فهو، حتماً، أمر يروقني».

وبين هذا الموقف وذاك تنقسم الدول حول التسمية فيما تتمدد «الدولة» و»داعش» معا مثل النار بالهشيم سياسيا وإعلاميا.

غياب الأعمال الدينية والتاريخية عن الفضائيات

من الغريب الغياب التام لتناول الأعمال الدينية والتاريخية عبر دراما رمضان هذا العام، بينما سيطرت أعمال العنف في المسلسلات، التي يبدو أغلبها ضعيفا حتى هذا اليوم وتناولها سطحي.

فقد شهدنا العام الماضي رائعة مسلسل «عُمر»، التي لاقت استحسانا كبيرا في أول عمل يجسد الخلافاء فنيا. بينما شهد العام الذي سبقه مسلسل «خالد بن الوليد – سيف الله المسلول» الذي يعد من عيون الأعمال التاريخية العربية، فيما عرض قبله كذلك مسلسل «القعقاع بن عمرو التميمي» وقبله غصت الفضائيات بالأعمال التاريخية عبر مسلسل «صلاح الدين» وسلسلة قرطبة والأندلس وغيرها من الدراما الدينية أو التاريخية، هذا ناهيك عن «الفانتازيا التاريخية» التي تميزت فيها أعمال المخرج نجدت أنزور.

والقاسم المشترك بين تلك الأعمال أنها كانت دراما سورية في الجوهر، فهل عقرت الفضائيات العربية، خاصة المصرية والخليجية عن إنتاج هذه النوعية من الدراما التي لعبت دور الموحد والجامع لأطياف الشعوب العربية؟

هناك كنوز في التراث الديني والتاريخي، من الوفاء إظهارها للمشاهد، خاصة في هذه الأيام التي يعتبر المشاهد العربي الأحوج لها، بدل التراشق الممجوج للمذاهب والنحل عبر فضائيات دينية ليست من الدين إلا بالإسم، ممن تلعب دور المفتت والمقسم بدل المحاور والناصح والجامع.

فاكهة رمضان الفاسدة

الغائب الكبير على القنوات والفضائيات في رمضان هذا العام من زاويتي كمتابع كانت البرامج الثقافية التي يمكن أن تضيف للمشاهد وتقدم مادة تلفزيونية مختلفة، فلم نر أي برامج للمسرح ولا للأدب ولا للسينما ولا للفنون التشكيلية ولا حتى برامج للمتابعات الإجتماعية.
لا أعرف إذا كانت الأمم الأخرى تنتج من الدراما التلفزيونية حجم ما تنتجه السوق العربية، وتحديداً في رمضان، وإن كان الأمر كذلك؛ فهل ثمة سوق استهلاكية في العالم، مثل سوق التلفزيون العربي تروج كل هذا الغثاء.

الإعلانات تذبح الدراما

الإعلانات ورعاية البرامج والمسلسلات من قبل الشركات التجارية باتت هي المهيمن الطاغي على الأعمال الرمضانية، بحيث أنك تتأفف وتسأم من مشاهدة هذه الأعمال لكثرة إمطار المشاهد بتلك الإعلانات الممطوطة والمكررة والمزاحمة التي تقتحم العمل بشكل فج، بحيث باتت حلقة المسلسل بدل أن تكون ساعة صارت نصف ساعة، والنصف الآخر دعايات رضوخا لشروط السوق.
تحولت معظم القنوات التلفزيونية إلى مجرد برامج لحصد أموال الإعلانات للمواد الإستهلاكية، وإذا كان طبيعيا أن تبحث أي قناة عن مداخيل لمواجهة كلفة الإنتاج والبث المرتفعين وأجور العاملين، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن تتحول هذه القنوات الى مجرد صناديق وحصالات لجمع أموال الإعلانات والتركيز على برامج الإثارة فقط.
قد يُفهم الأمر في التلفزيونات التجارية، لكنه يستعصي على الهضم خاصة في المحطات الخليجية التي تتسيد المشهد الدرامي، والتي لا ينقصها التمويل، ويصبح حشر الإعلان طمعا في المردود المادي شراهة وتخمة قاتلة ومنفرة.

«الكاميرا المرعبة»

يبدو أن الإستثمار في الخوف هو القاسم المشترك لدراما رمضان، حتى وصلت هذه البضاعة لبرامج «الكاميرا الخفية» كلها هذا العام، ولعل أبرزها «رامز واكل الجو» و «هبوط اضطراري».

فهل ينقص المشاهد صور التفجيرات والنحر والبراميل المتفجرة والتعذيب والقهر، التي تحفل بها نشرات الأخبار ووسائط التواصل الإجتماعي كي تجنح هذه البرامج المجنونة ومعها الفضائيات الى الإستثمار بالألم والخوف الذي يفيض عن حاجة أي إنسان عربي؟

«الكاميرا الخفية» من أبدع ما ابتكرته الذائقة الفنية، والتي تستثمر في الجانب الإنساني لقطات تزرع البهجة والسرور في النفس وتكسر روتين الحياة العصرية القاسي وتبث البسمة، فهل كثير علينا أن نقلد هذه الكاميرا، بعد أن قلدت فضائياتنا كل شيء غربي غثه وسمينه، خاصة في رمضان الكريم.. وعساكم من عواده.

المصدر : القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى