تقتضي بداية الحل في سورية تليين مواقف حلفاء نظام بشار الأسد وتفكيك التحالفات التي نسجها ومنها علاقته الوثيقة بـ»حزب الله» وعدد من القوى اللبنانية. إبعاد الأسد عن السلطة في إطار مرحلة انتقالية يتطلب طمأنة الحزب إلى أنه لن يكون الهدف المقبل على أي جدول أعمال أميركي أو خليجي. عنوان الطمأنينة المقترحة هو سليمان فرنجية.
الصديق الشخصي لبشار الأسد والمؤيد الدائم لـ «حزب الله»، قد يكون المدخل الذي يمهد لنأي حقيقي بلبنان عن الأتون السوري. سليمان فرنجية لن يخرج من محور الممانعة لكنه سيمنع انهيار لبنان عندما تحل ساعة التسوية الكبرى في سورية. هكذا تبرر أوساط المروجين لترشيح الزعيم الماروني الرابع اندفاع بعض أشد خصومه لتسويقه على رغم خطر تفكك الجبهات التي جمعتهم بمسيحيي 14 آذار.
سيتم تجاوز المعارضة المسيحية من خلال تسريع مشاريع استخراج النفط والغاز وتوزيع الرشى المناسبة على المعترضين. ستموّل الثروة الدفينة «المصالحة» المقبلة على الطريقة اللبنانية: تقاسم جديد للسلطة مرتكز إلى أنصبة سخية من الغنيمة الاقتصادية. ستنقل هذه المصالحة النظام اللبناني في الشكل إلى طور أعلى من إمساك «البيوتات» السياسية بالثروة الوطنية، خصوصاً أن المال السياسي الذي كان يأتي إلى لبنان لتمويل التيارات والأحزاب المختلفة قد توقف. وقد أبلغت جهات خارجية أنصارها في لبنان أن توقف التمويل سيطول وأن استئنافه ليس ظاهراً في الأفق بسبب الحروب المتعددة في المنطقة، المتزامنة مع التراجع الكبير في أسعار النفط، المورد الأول للممولين في إيران والخليج.
وفي الوقت الذي تشعر الطبقة السياسية ببدايات التململ الشعبي جراء انقطاع المال السياسي، يمثل النفط والغاز البحريان بديلاً مناسباً لعودة تدفق المال إلى صناديق القوى الطائفية، وبالتالي لإعادة التغذية إلى المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة والتي تتيح ديمومة النظام الطائفي، خصوصاً بعدما أظهر الحراك المدني في الشهور القليلة الماضية صعوبة فرض المزيد من الأعباء على المواطنين المكتوين أصلاً بنار أزمة اقتصادية خانقة.
الشرط الأول لتحقق هذا المشروع هو ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية بما يحمي مصالح جميع الزعامات الفاعلة ويضمن استمرارها في اللعبة في شكل صريح سواء من خلال مشاركتها المباشرة في السلطة المقبلة أو من خلال تغذية نهمها إلى المال وترك المجال مفتوحاً أمام طموحاتها السياسية.
يقلل أصحاب هذا السيناريو الوردي من خطر اعتراضات قوى مسيحية وازنة مثل «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب على رئاسة سليمان فرنجية للجمهورية اللبنانية، ويراهنون على إمكان الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، ما زال قيد الصوغ والتعديل لضبط الحصص الملائمة من الكعكتين السياسية والمالية.
يمهد الكلام أعلاه لعودة إلى التأمل في الحدود التي تبلغها أفكار المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والمجتمع المدني في بلد تقبض على مقدراته قوى لا تتورع عن التكشير عن أنيابها ما أن تشم رائحة الطريدة. ويستدعي كذلك أسئلة عن أسباب فشل الحراك المدني الذي أطلقته أزمة النفايات (التي لم تجد حلاً لها بعد مرور أربعة أشهر ونيف على بدايتها). هل كان من المفترض التمسك بسقف سياسي عالٍ للحراك والإصرار على مواجهة القوى الطائفية المُمثلة في السلطة، مهما كان الثمن؟ المؤكد أن فشل الحراك في العثور على روحه السياسية أدى إلى بعث روح النظام الطائفي.
ثمة الكثير من الأسئلة التي قد لا يعني طرحها اليوم الشيء الكثير بعدما استعادت الطوائف زمام المبادرة وكشفت عن أحجام مختلف اللاعبين على الساحة السياسية. هذا زمن ما بعد الحراك.
المصدر : الحياة