مقالات

أمين قمورية – النخوة الأميركية

منذ بدء الأزمة السورية، حيرت واشنطن بمواقفها حتى المنجمين. كلامها في الليل كان يمحوه سلوكها في النهار. أيدت المعارضة السورية لكنها لم توفر أي دعم ملموس لها. شدّدت على رحيل الأسد لكنها خلصت الى ضرورة بقائه لفترة انتقالية قد تطول أو تقصر. رسمت خطوطاً حمراً سرعان ما أسقطتها بنفسها.

غضت النظر عن التدخل الروسي مع انها تدرك ان موسكو جاءت لتحسم عسكرياً أقله في منطقة الساحل امتداداً الى ريف دمشق لارغام المعارضة على القبول بشروطها على طاولة المفاوضات اذا التأمت، كما تدرك ان الكرملين يتطلّع من خلال التفاوض الى صفقة دولية تضمن له دوراً استراتيجياً أكبر من سوريا، في حين أنها لم تكلف نفسها عناء التخلي عن دولار واحد من أجل سوريا فكيف اذا كان الأمر يتعلق باثمان استراتيجية يتعيّن عليها دفعها لأبرز خصومها؟

آخر المفارقات، أوباما يتجاهل أي ذكر للازمة السورية في خطابه الأخير عن حال الاتحاد ولم ترد كلمة سوريا على لسانه ولا مرة واحدة، وفي الوقت نفسه تبدو ادارته بين كل الأطراف الفاعلين على الأرض السورية الأكثر حماسة لاطلاق المسار السياسي في جنيف. تضغط على المبعوث الأممي لتفعيله.

تسعى الى جر الجميع للمشاركة. ويكاد كيري ان يكسر الجرة مع المعارضة السورية بتهديده اياها بالعقاب إذا رفضت المشاركة في المحادثات. أما بايدن، فيضغط على تركيا لسحب اعتراضها على اشتراك اكراد سوريا في المفاوضات، وفي الوقت نفسه يغريها بابداء استعداد واشنطن لعمل عسكري في سوريا في حال فشل الحل السياسي وبالبحث عن سبل المعارضة العربية “السنية” السورية.

هل هبط الوحي فجأة على الادارة الاميركية وما سرّ هذه النخوة ؟ وهل آن الأوان لغفران خطاياها تجاه السوريين بعدما استنكفت طويلاً عن مد يد العون اليهم؟ وما الذي تغير كي تقبل بمفاوضات تحدد سقفها روسيا بتلبية مطلبها اشراك وفد ثان من المعارضة قريب من موسكو وبتنحية شرط رحيل الأسد؟

الأرجح ان الادارة الاميركية الحالية تدرك صعوبة انجاز تسوية شاملة في سوريا في الفترة الباقية من اقامتها في البيت الأبيض نظراً الى شدة تعقيداتها وتشابك ملفاتها، لذا لا يضيرها في مرحلة الانتخابات الرئاسية ان تظهر أمام الأميركيين مظهر الحريص على حل المشكلات العالمية الصعبة من دون التضحية بدم أي جندي أميركي. فالى نجاحها في طي الملف النووي الايراني وانفتاحها على اعدائها السابقين في ايران وكوبا وفيتنام، ها هي تنجح أيضاً في وضع الملف السوري على مسار التفاوض.. وليس مهماً بعد ذلك النتائج أو على حساب من ستكون التكلفة!

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى