مقالات

بشير البكر – سورية.. حدود الأمل واليأس

بات اليأس أقلَّ وطأة من الأمل بالنسبة للسوريين. إذا قرّر السوري أن ييأس، فإنه لن يخسر شيئاً بعد اليوم. على الأقل، لن يحيا على أمل إمكانية حصول تطوراتٍ يمكن أن تحل مشكلة بلاده، ليعود بعدها إلى بيته. في هذه الحالة، سيكون قد أراح نفسه من الرهانات، بعد أن جرّب كل أنواع الانتظار، بما في ذلك حصول معجزة. من يقرّر التوقف عن الانتظار سوف لن ينهمك بالتفكير في حساباتٍ وتخميناتٍ مبنية على الاحتمالات، بل سيجد نفسه يتصرّف مثل أبطال روايات الواقعية السحرية، حين تصبح كل الطرقات مسدودةً في وجه الحل، حينها ما على البطل إلا أن يبحث عن الحل الخاص الذي سوف يكون أقلَّ كلفةً من الحلول المرتقبة كافة.

وبعدما تدمرت حياة السوريين، ليس على السوري أن يراهن على شيء، ومن يصل إلى اليأس لن يعوّل على أي جهة، لا الأمم المتحدة ولا الدول الغربية والشرقية، فقد برهنت جولات المباحثات في جنيف، منذ بداية الشهر الماضي، أن النظام السوري ممنوع من الرحيل بقرار دولي، أميركي قبل أن يكون روسياً. واليأس وحده الكفيل بجعل السوري يرى الصورة بهذا الوضوح، لا ورديةً ولا مغبشة، بعد أن كان يأمل في أن تتمكن ضغوط واشنطن من إزاحة بشار الأسد. فشل المباحثات واستهتار النظام بالحل السلمي والدخول في مرحلة انتقالية من دون بشار الأسد سوف يدفعان السوريين إلى مراجعة الحسابات كافة، فبدلاً من انتظار الحل من واشنطن، والسلاح من أصدقاء الشعب السوري، والمساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة، عليهم أن ينسوا ذلك كله، ويقوموا بعملية إعادة نظر جديدة، تتم على أساس القدرات والإمكانات الذاتية.

ربما كان على السوريين أن يفهموا، منذ اليوم الأول للثورة، أن تعليق آمالٍ على مساعدة الآخرين، من أجل التخلص من الطغيان، أمر لا يقودهم إلى نهايةٍ سعيدة، لأن سورية بلد تتقاطع فيه خطوط الطول والعرض الإقليمية والدولية، وليس في مصلحة أحد أن يتحول إلى الديمقراطية.

اليأس يمنع السوريين من تصديق وهم أن هناك أطرافاً دولية وإقليمية معنية بإسقاط نظام الأسد على الدرجة نفسها التي ينشغل بها السوريون الذين بات الأمر بالنسبة لهم لا نقاش فيه، ولا يقبل أي خطوة إلى الوراء، فإما رحيل الأسد أو القتال حتى آخر رمق. وبالنسبة للأطراف الأخرى، يظل موضوع عودة الأسد إلى الحكم أمراً قابلاً للدرس، وذلك ضمن منطق تسويات وتبادل مصالح إقليمية ودولية.

ليس عيباً أن نقول إننا يائسون، من كل شيء حولنا، بل العيب أن نفقد الأمل في استعادة سورية، والعيب الأكبر أن يظن بعضهم أن التضحيات التي قدّمناها جميعاً هي فوق ما يستحقه هذا البلد، أو أنها سوف تذهب سدى. إذا كان الغرباء لا يزالون، منذ خمسة أعوام، يقاتلون من أجل تفريغ البلد من أهلها، فكل تضحيات أهلها هي في حساب الحرية، ولن يمرّ التاريخ مرور الكرام على هذا البلد الذي لم ينكسر أهله، وهم يواجهون وحيدين حرب إبادة متعدّدة الأطراف.

الأمر الجوهري، ونحن نجتاز هذا النفق الذي يكتسي أهمية كبيرة، هو ألا يفقدنا اليأس احترامنا ذاتنا، ويضعنا في علاقة ارتياب مع العالم، فمن شأن سلوكٍ من هذا القبيل أنه لن يكون كفيلاً بتدمير علاقتنا مع العالم فقط، بل مع الذات. وهذا ما يفسر العدمية التي دفعت المنخرطين في “داعش” إلى الانحدار نحو العمل المتوحش، منطلقين من قناعة أنهم خسروا كل شيء، ولم يبق أمامهم غير هذه السلوكيات التدميرية. أما نحن الذين ثرنا من أجل الحرية والكرامة، يجب أن نستخلص من هذه المحنة درساً يبعدنا كل يوم عن اليأس الانتحاري. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى