مقالات

سما حسن – أطفال غزة وسورية

فجعت غزة، قبل أيام، بموت ثلاثة أطفال أشقاء، قضوا حرقاً، بسبب حريق شبّ في منزلهم، في أحد مخيمات اللاجئين في غزة، بسبب شمعةٍ مشتعلةٍ، وضعتها الأم لتنير ظلام ليل بيتٍ، يفتقر لأدنى مقومات الحياة، وفي وقت انقطاع الكهرباء المستمر والممتد منذ سنوات، حيث لا يكاد التيار الكهربائي يصل إلى بيت المواطن الغزي ساعاتٍ معدودة.

غالباً ما يكون الأطفال ضحايا الحروب والصراعات في المنطقة العربية، وخروجهم من هذه الأحداث أحياءً لا يعني أنهم سيبقون أصحاء نفسياً وبدنياً إلى الأبد، لكن موتاً بشكل آخر سوف يتربّص بهم، وربما تشكل بأشكال كثيرة مفزعة، ففي غزة، وبعد حادثة موت هؤلاء الأطفال الأشقاء، بدأت حملة تراشق الاتهامات، وخرجت الأكثرية الغاضبة تنادي بمنع إدخال الشموع إلى غزة، لاعتقادهم أنها المجرم الحقيقي فيما حدث.

إذا كانت تحقيقاتٌ أولية قد أفادت بأن السبب المؤدي إلى موت الأطفال هو الشمعة المشتعلة التي وضعتها الأم فوق غسالةٍ عتيقةٍ، وغافلها النوم دقائق، لتقع على حصير الغرفة، حيث ينام الصغار، فيجدر بنا أن نلقي اللائمة، هنا، على الأم المهملة (مريضة بالسرطان)، أو الأب غير المسؤول، لأنه لم يوفر وسيلة إنارة بديلة عن الكهرباء وأفضل من الشمع. ويجب أن ننام قريري الأعين أمام حقائق أكثر خجلاً، منها أن هذه العائلة المنكوبة كانت تعيش في ” بدروم” تحت الأرض، لا يرقي إلى مستوى البيوت الصحية الآمنة لحياة الأطفال، وأن أياماً ثلاثة كانت تمر عليهم من دون طعام، وأن العائلة أيضاً عادت من نزهة قصيرة على شاطئ بحر غزة الملوث بالمياه العادمة التي تضخها إسرائيل والبلديات المحلية فيه، وأن مطبخ العائلة المتهالك تعتلي أحد أرففه معلبات سيئة التخزين، حصلت عليها، بحكم أنها عائلة لاجئة، من مركز تموين تابع لوكالة الغوث (أونروا) التي لا زالت تقوم بخدماتها الإنسانية المتعثرة في غزة.

إذا كنا بصدد بحث حادثة تفحم ثلاثة أطفال، فيجب أن نتحدّث عن حوادث موت أخرى، تقع كل يوم، وأضحت روتينية، في ظل هيمنة قوة السلاح ولغة الحروب والاقتتال في المنطقة العربية، فالطفل الذي يخرج سالماً من تحت الأنقاض في غزة أو سورية، مثلاً، سيتمنى الموت ألف مرة بعد ذلك، لأنه سيعود إلى تلك الأنقاض التي نجا من تحتها بأعجوبةٍ، لكي يبحث عن أثاث منزل مهشم، يصلح لكي يشعل به النار، ليدفئ عظامه الغضة مع عائلته في خيمةٍ ما، وقد يصطاده لغم لم ينفجر، فيحوله إلى معاق مدى الحياة، حسبما أفادت شاهدة عيان، تعمل في منظمة إنسانية في سورية، رفضت ذكر اسمها. وقد رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) 15 مليون طفل يعانون من آثار الحروب والصراعات الطائفية، أغلبهم في البلدان العربية، منهم 7.3 ملايين طفل سوري، تعرّضوا لأبشع الانتهاكات، أي نصف ما تم رصده عالمياً. وحسبما أوردته المنظمة في تقاريرها، فإن أخطر آثار الحروب على الأطفال يظهر لاحقاً على جيلٍ كامل ممن نجوا من الحرب، محملين بمشكلاتٍ نفسيةٍ وصحيةٍ، لا حصر لها.

ففي غزة، هناك زيادة في انتشار مرض السرطان، ليس بسبب الأسلحة المحرّمة دولياً. ولكن، بسبب خضروات ملوثة بمبيدات وأسمدةٍ تم تهريبها من مصر، ولحوم تنتج بلا رقابة، ومعلبات سيئة التخزين مجهولة المصدر، تصل عبر مؤسسات الإغاثة الدولية، إذا ما قدّر لها الوصول، أو من خلال تجار الحروب الذين يهمهم جني المال، ويستغلون غوغائية الأوضاع، فيهربونها من مصر إلى أطفال غزة، محملة بنسبة عالية من الفورمالين، المسبب الأول للفشل الكلوي، لضمان عدم تلفها.

علينا ألّا نغبط هؤلاء الأطفال لنجاتهم من ثلاث حروب، أو نزوح أطفال سورية بالذات إلى حدود دولةٍ ما. والأولى المطالبة بالقتل الرحيم لهم، بعد فقدهم دفء البيت وتيتمهم، وتعرّضهم للاغتصاب والاعتقال والأمراض. وهناك مستقبل قاتم للغاية ينتظر 400 ألف طفل في غزة، حسبما ذكرت رئيسة المكتب الميداني الذي تديره “يونسيف” في غزة، بيرنيل إيرنسايد.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى