قبل ان تطلق المقاتلات الروسية القذيفة الأولى بعد التدخل العسكري دعماً للرئيس بشار الاسد في ايلول الماضي، كان فلاديمير بوتين قد توصل الى تفاهمات مريبة مع بنيامين نتنياهو، الذي تعمد الوصول الى موسكو في زيارة مثيرة في توقيتها وحساسة في بعدها السياسي.
ما أُعلن يومها عن تفاهم الجانبين لمنع حصول أي اشتباك بين المقاتلات الروسية التي ستنشط في الفضاء السوري، والمقاتلات الإسرائيلية الناشطة جداً هناك، لم يكن سوى بداية ستكشف عمق التفاهم الروسي – الإسرائيلي على دعم نظام الأسد والعمل لبقائه، فقبل قرار بوتين التدخل لدعمه كانت التصريحات السورية والإسرائيلية على السواء، تتعمّد التوضيح ان بقاء النظام يخدم مصالح اسرائيل.
ثم تبين ان هناك غرفة عمليات مشتركة روسية – اسرائيلية تتولى تنسيق العمليات الجوية التي يقوم بها الطرفان فوق سوريا، ومنذ ذلك التاريخ شنّت اسرائيل سلسلة طويلة من العمليات ونفذت عدداً متلاحقاً من الضربات الجوية بمعرفة مسبقة من موسكو طبعاً، قيل دائماً إنها استهدفت قوافل عسكرية كانت تحاول نقل الصواريخ من سوريا الى “حزب الله”، كما نفذت جرائم عدة استهدفت كوادر وقادة ميدانيين من الحزب، وخصوصاً عندما حاولت طهران تفعيل جبهة الجولان وجعلها تشكّل امتداداً لجبهة جنوب لبنان على رغم ان الهدوء يسود في الجنوب!
وإذا كان من حق المراقب ان ينظر دائماً بتعجّب وكثير من التشكيك الى هذا المسلسل المثير والمؤذي بين موسكو وتل ابيب في الميدان السوري، فإن ما أُعلن يوم الأحد جاء قمة في الإثارة والغرابة، عندما أفادت وسائل إعلام روسية، ان بوتين قرر ان يعيد الى تل أبيب دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري قد غنمها في لبنان في بداية ثمانينات القرن الماضي.
عسكرياً، ان دبابة يزيد عمرها على نصف قرن هي بالتأكيد مجرد قطعة من الخردة، وقد كانت معروضة في متحف بإحدى ضواحي موسكو، لكن الأنباء الروسية قالت إن نتنياهو كان قد ناقش هذا الأمر مع بوتين في خلال لقائهما قبل شهر، فوعده بإصدار مرسوم بإعادة الدبابة!
المثير ان المعارضة السورية تغرق الآن في طرح تساؤلات تبدو في نظري هامشية كالقول: لماذا حصل الروس على الدبابة أصلاً وهي من غنائم الجيش السوري وتعتبر قانونياً من ملكيات وزارة الدفاع، ولماذا قرر بوتين إعادتها الى اسرائيل لا إلى سوريا؟
الأسئلة الأهم يا سادة: كيف لا تنسى اسرائيل دبابة خسرتها قبل نصف قرن وباتت خردة، وينسى النظام السوري جيشاً مدمراً تماماً ووطناً مذبوحاً شعباً وأرضاً؟ وكيف يستعيد نتنياهو دبابة قديمة وكيف يخسر الأسد وطناً كان يُقال إنه قلب العروبة النابض… ثم لماذا يبرم بوتين سكاكين نتنياهو في جروح السوريين والإيرانيين؟
المصدر : النهار