مقالات

حيان جابر – قوى الاحتلال تعيق انتصار الثورة السورية

تعرّضت سورية تاريخياً لمحاولات السيطرة عليها من دول وقوى مختلفة، نظراً لموقعها ومواردها المتنوعة، سواء عبر احتلالها المباشر، كالاحتلال الفرنسي، أو عبر السيطرة على قرارها السياسي والاقتصادي، من خلال الأحلاف، كحلف بغداد. وها هي تتعرّض اليوم إلى واحدةٍ من أكبر حملات السيطرة و التطويع والاحتلال، إن لم تكن أكبرها على الإطلاق، حيث سارعت دول وقوى متعدّدة إلى إيجاد موضع قدم في الخارطة السياسية والجغرافية السورية، ما أدى إلى اختلاف وتصادم القوى المحتلة أجزاء من الأرض السورية، سواء عبر القوة العسكرية المباشرة، أو عبر أحد الوكلاء المحليين، الأمر الذي يتطلب تكثيف الجهود، والعمل من أجل التصدّي لجميع أشكال الاحتلال الراهنة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، ومن ثم الانتقال إلى بناء الدولة المأمولة.

ويشكل واقع الانقسام السياسي والشعبي عقبة أمام مختلف أشكال الجهود المبذولة لرص صفوف السوريين، بهدف التصدي لجميع قوى الاحتلال، حيث يُلاحظ من متابعة الخطابات والرؤى السياسية والتحالفات والمعاهدات المبرمة أن الطرف، أو الجهة المتحدثة، تعطي تشريعاً لإحدى قوى الاحتلال وفقاً لموقفها السياسي من الأزمة السورية، نتيجة لتغليب المصلحة الشخصية الطامحة لاستلام أو المحافظة على إدارة الدولة، على حساب المصلحة الوطنية، لتتحوّل غالبية القوى والتيارات والشخصيات السياسية إلى شريكٍ لقوى الاحتلال، سواء المعارضة أو الموالية من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والمجلس الوطني إلى النظام السوري طبعاً، والذي يتحمل المسؤولية الأولى والعظمى عن جرّ البلاد إلى احترابٍ عالميٍّ على الأرض السورية، فضلاً عن تشريعه لقوى الاحتلال المحافظة على سلطته، لتدور معركة السيطرة على سورية بين كل من السعوديين والإيرانيين والأتراك والروس وبعض الدول الأوروبية أيضاً. وطبعاً من دون إغفال الدور الأميركي، والذي يكتفي حالياً بإدارة هذا الصراع، على الرغم من التوكيل الأميركي للروس في سورية.

وهي معركة يظهر فيها الوجود المعلن للقوات العسكرية الروسية ونظيرتها الإيرانية وقوات سورية الديمقراطية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الكردي الانفصالي الطابع ذي الدعم والغطاء الأميركيين، بالإضافة إلى الصراع الخفي بين الأجهزة الأمنية الإقليمية والدولية الملموس من خلال صراع المكونات العسكرية المختلفة وفقاً لتبعياتها، ومن أبرز هذه الفصائل والقوى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وحزب الله والفصائل الشيعية الأخرى المنضوية تحت العباءة الإيرانية، وفصائل عديدة ذات طابع إسلامي، كجيش الإسلام وأحرار الشام.

وتعمل جميع الدول، سابقة الذكر، على تكريس نظامها الاقتصادي والتعليمي والثقافي، فمن الناحية الاقتصادية أعمال النهب للثروات الباطنية والقطع الأثرية فاضحة وجلية، إما عن طريق التهريب عبر الحدود السورية التركية ونظيرتها اللبنانية، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش وجبهة النصرة وقوات سورية الديمقراطية، أو عن طريق المعاهدات والاتفاقيات والتشريعات الموقعة مع النظام السوري، تلبية للحاجات والرغبات الروسية والإيرانية.

وثقافياً، نلحظ التغيرات في كل من البنية السكانية وأسماء الأحياء وفرض سلوكيات وعادات اجتماعية جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات التابعة لإيران، أو لداعش وجبهة النصرة وباقي الفصائل الإسلامية المعارضة، أو تلك القابعة تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية. أما تعليمياً، فنلاحظ إدراج اللغتين، الروسية والكردية في المناهج التعليمية، وعلاوة على كل ما سبق، هي تقوم، عن سبق إصرار وترصد، بتصعيد الخطاب الطائفي، وتشجيع بل وقيادة الاقتتال على أسس إثنية وعرقية.

بمعنى آخر، يمكن تلخيص نتائج احتلال الأراضي السورية بضرب وحدة البلاد الجغرافية والعرقية والإثنية، واستنزافها اقتصادياً عبر نهب خيراتها من جهة، وتحويلها إلى مستورد ومستهلكٍ لبضائع القوة المحتلة ومنتجاتها، بالإضافة إلى جعلها ميداناً لتصفية الحسابات القديمة والجديدة والمستقبلية، كالصراع الإيراني السعودي ونظيره التركي الكردي، ساحة لترويج (واختبار) سلع ومنتجات القوى المحتلة، وأهمها السلع العسكرية والأمنية، وهي السياسة التي جاهر بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، علانية في خطابه، في أثناء مؤتمره السنوي الموسع في نهاية العام الماضي، حين قال: “من الصعب أن نخترع طريقة أفضل من ذلك لتدريب جنودنا”.

عانت الثورة السورية، ومنذ بداياتها، من إشكالات التدخلات الخارجية، والتي تقترب اليوم من بلوغ حدّها الأعظمي، وإن كان الوضع مرشحاً لتنامي أشكال التدخل والاحتلال، من القوى نفسها، ومن قوى جديدة، نتيجة لتحول هذه التدخلات الخارجية في الشأن السوري إلى أشكالٍ احتلاليةٍ بأهدافٍ شبه علنية، للسيطرة على القرار والثروات السورية، وهو ما يفرض الانتقال إلى خطابٍ وممارسةٍ يرقيان إلى حجم الأخطار المحدقة بمستقبل الوطن والمواطن السوريين، والمتجاوزة للشرخ الاجتماعي الحاصل اليوم.

لذلك، وعلى الرغم من أحقية الخطاب الأخلاقي بتحميل النظام السوري المسؤولية الأكبر من مآل الأحداث، غير أن الاكتفاء بتوصيف النظام كنظام قمعي واستبدادي قد تجاوزته الأحداث السورية، فمن أجل تحقيق الانتقال المجتمعي وبلوغ أهداف الثورة السورية، لا بد من دحر جميع قوى الاستبداد والاحتلال.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى