بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، أكدت إيران أنها تساند حكومة أنقرة بالكامل، وترأس الرئيس الإيراني حسن روحاني اجتماعا طارئا لمجلس الأمن القومي، ناقش التطورات التركية، وأُعلن رسميا في ختامه أن إيران “تساند الحكومة الشرعية في تركيا، وتعارض أي نوع من الانقلاب، سواء كان مصدره من الداخل التركي، أو مدعوما من أجانب”. هذا في إيران، فماذا عن مواقف رعاياها السياسيين في لبنان؟
منذ اللحظات المسائية الأولى لشيوع نبأ محاولة الانقلاب العسكري “الغولاني” -نسبة إلى أمير جماعة الخدمة فتح الله غولن- أعلنت منصات إعلام محور الممانعة في بيروت -التي تتوزع على شبكات مكتوبة ومرئية ومسموعة وإلكترونية وناطقة بشخوص مسؤولين ومحلّلين- انتهاء حقبة “الطاغية” أردوغان، وتمنى بعضهم جهرا أن “يطل الصباح بخبر سار، ونرى مجرم إسطنبول معلقا على عامود كهربائي أو مسحولا تحت أقدام الجنود في الشارع…”.
في اليوم التالي، وبعد اتضاح فشل الانقلاب، وامتلاء ميادين تركيا بالمواطنين المعارضين قبل الموالين لمواجهة الانقلابيين، وحماية أصوات الناس وخياراتهم الانتخابية، ورفضِ العودة إلى حكم العسكر الذي أرهق من قبل أجدادهم وآبائهم في معيشتهم وكرامتهم، غيّرت منصّات ممانعة بيروت خطابها، دون أن يرف لها جفن، وكمن يقلب كاسيت المسجّلة القديمة على أغنية جديدة، اتهموا أردوغان بالانقلاب على أردوغان، عبر مسرحية تهدف إلى تنظيف مؤسسات الدولة العسكرية والقضائية من معارضيه.
هؤلاء هم أنفسهم يفخرون -جماعات وفُرادى- بحكمة القيادة الإيرانية بمستويَيها الروحي والزمني، ويبايعونها على السراء والضراء، ولا يتوانون عن وصفها بصانعة الحرية وأمل التحرير وبالغة الحكمة وناصرة المستضعفين على الظالمين. فكيف يستقيم هذا التناقض في مواقف خط الممانعة اللبنانية مع الموزّع الرئيسي لموقف “الحق” في طهران. علما أنها ليست المرة الأولى التي يتخبطون فيها بمواقف مزايدة على الموقف الرسمي الإيراني، تماما كما حصل مطلع العام الجاري عندما أحرق متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران، فاستنكرت السلطات الإيرانية الحادثة، وفتحت تحقيقاتها، وأعربت عن أسفها، فيما لا تزال حناجر عُربِ الممانعة حتى الآن تعتبرها نارا مجيدة أحرقت سفارة “آل سعود”، وفق توصيفاتهم.
من السطحية اتهام إيران بالنفاق، فهي لطالما اتخذت مواقف حادة من أنظمة أكثر قوة من تركيا، ولو أرادت مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، فهي لن تحتاج حتما لأصوات لبنانية مستهلَكة عدة أشواط.
ومن عدم الإنصاف أيضا تحميل إيران مواقف بعض الأتباع الذين لا تحيط ذهنيتهم بالصورة الكاملة للأحداث، فيبحثون عن سطوح التحليلات وينثرونها بجرعات عاطفية ملتهبة، وغالبا ما تفتقد لياقة العمل السياسي وآدابه، معتقدين أن المشغّل سيزداد رضى وإعجابا بألسِنة السوء، وكأنه لا يملك منها أو يعاني فقرا فيها ضمن بلاده مترامية الأطراف والثقافات.
لكن الحقيقة هي أن إيران، العابئة بكثير من حِملها العَربي، دولة حقيقية تتخذ مواقفها انطلاقا من رؤية عقلانية لمصالحها، وتحترم أصول العمل الدبلوماسي والتخاطب العابر للحدود، أما بعض رعاياها السياسيين من العرب، فلم يشعروا يوما بانتمائهم لدولة أو لقومية ما، حتى يعيشوا اللعبة ويتقنوها ويتلمسون مصالح بلادهم فيها، فيبحثون عن هوية ضائعة لن يكتسبوها بمبالغات رخيصة.
التّرك والفُرس قوميتان، تجاورتا لآلاف السنين، وحافظتا على حسن الجوار، برغم كل الأزمات التي عبَرَت، وقد خضعتا لمنطق العرب وحكمتهم حين كان العرب رعاة لا رعايا.
المصدر : عربي 21