مقالات

سلامة كيلة – التمدّد الإمبريالي لروسيا

قاد انهيار الاشتراكية إلى ميل البيروقراطية الحاكمة إلى “نهب” الاقتصاد الذي كان في حكم الملكية العامة، لكنه كان يخضع لتصرف تلك البيروقراطية. وكان الدعم الإمبريالي للتغيير الرأسمالي في روسيا يهدف إلى تحويلها إلى دولة عالمثالثية، من خلال تدمير صناعاتها وتهديم جيشها، ودعم تحكُّم مافيا في النظام. وهذا ما ظهر فترة حكم بوريس يلتسين، وأفضى إلى دمار صناعي، وتركيز على قطاع النفط/ الغاز، واستيلاء تلك المافيا على الصناعات وشركات الدولة، خصوصاً النفط.

لكن تطور روسيا لم يكن يسمح بانتصار هذا الميل التدميري الذي يفرض التحاقها بالإمبريالية المهيمنة، أي أميركا، بعد أن كانت قوةً عظمى موازية، وتمتلك قدرات الرد. لهذا، تحركت قطاعات من داخل السلطة، لكي تفرض مساراً آخر يعيد روسيا كقوة عظمى. هذا ما بدأ مع سيطرة فلاديمير بوتين على السلطة، وعمله على إعادة ترتيب العلاقة بين المافيا التي نهبت الاقتصاد السوفيتي والدولة. وهي المرحلة التي جعلت الاهتمام الروسي يتركّز على الوضع الداخلي، حيث كان يجب إعادة بناء الجيش والاقتصاد وتثبيت بنية السلطة الدكتاتورية.

الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008، وطاولت أميركا، ودفعتها إلى بناء إستراتيجية جديدة، كانت المدخل لانتقال روسيا إلى “الهجوم”، فقد تدخلت، في جورجيا، لفرض استقلال أوستينيا الجنوبية سنة 2008، وخاضت الحرب ضد الشيشان في أغسطس/ آب سنة 2009. وعملت على دعم النظام في أوكرانيا، بعد أن نجح الحزب المؤيد لها في الانتخابات بعد الثورة البرتقالية سنة 2005. وكانت أوكرانيا مهمةً لها، لأنها ممر خط أنابيب الغاز إلى أوروبا، وهو شريانها المالي الأساسي. كما سعت إلى تشكيل تكتل عالمي، تمثل في الإسهام في بناء تحالف البريكس، كتحالف اقتصادي مع الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا. وأيضاً تحالف أمني ضمن معاهدة شنغهاي. وفي ذلك كله، كانت تميل إلى التفاهم مع أوروبا، وتشكيل تحالف دولي يقوي من تعاملها مع أميركا، في ظل حرصها على تطوير العلاقة معها.

كانت الثورات العربية مربكةً، ليس لأميركا فقط بل لروسيا كذلك، حيث أنها توجست منها خشية انتشارها العالمي. لهذا، كانت ضد الثورة المصرية، ومجمل الثورات. وعلى الرغم من أنها لم تعارض تدخل حلف الأطلسي (الناتو) في ليبيا، إلا أنها اعتبرت أن “الغرب” قد “ضحك” عليها. لهذا، استغلت نشوب الثورة السورية، لكي تحاول فرض نفسها قوة عالمية مقرِّرة، وهي في ذلك كانت تتحالف مع الصين. فأصبح الفيتو الروسي/ الصيني في مجلس الأمن الدلالة على بدء مرحلة جديدة، مطوّرة ذلك إلى دعم كامل للنظام السوري، وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر.

كان التقدم الروسي يستغلّ التراجع الأميركي، وعلى الرغم من الصراع في أوكرانيا وحولها بين الطرفين، عملت روسيا على إظهار ميلها الإمبريالي في سورية، وهي المنطقة التي لم تعد في جدول الاهتمام الأميركي، فقد ظهر أن روسيا تريد شبه جزيرة القرم، كونها قاعدة بحرية لبحريتها المتجهة إلى البحر المتوسط، وكذلك تريد السيطرة على نصف أوكرانيا الروسي، وهو ما قامت به. وأدى ذلك إلى ارتباك علاقاتها مع أوروبا التي دافعت عن كيان أوكرانيا، بعد أن أطاحت الثورة حزب روسيا.

تنطلق روسيا، إذن، لكي تفرض تموضعها العالمي قوة أساسية، موازيةً أو حتى متفوقة على أميركا. ربما في ذلك مبالغة إمبريالية، لكن ما يظهر واضحاً أن روسيا تعود إلى أن تصبح قوة عالمية أساسية. وأنها تسعى إلى مدّ سيطرتها على مناطق خارج حدود الاتحاد السوفيتي، وأن تفتح أسواقاً لسلعها التي لا تعدو أن تكون هي السلاح، وأن توظف الرأسمال المتراكم لدى مافياتها في مشاريع في الدول التي تستطيع السيطرة عليها. ومثال سورية واضح في هذا السياق، حيث باتت تحظى بسيطرةٍ على النفط والغاز، وعلى مشاريع كثيرة، وتتهيأ لكي تحصل على حصتها من “إعادة الإعمار”.

يفرض ذلك كله البحث في طبيعة روسيا وبمنظورها للسيطرة العالمية.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى