لم تسفر كل الاجتماعات التي عقدت على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك والتي كان محورها انقاذ الهدنة في سوريا عن اي نتيجة تذكر فيما حفلت جلسة لمجلس الامن دعت اليها فرنسا وبريطانيا وايطاليا وشاركت الولايات المتحدة في الدعوة اليها ايضا( علما انها لم تكن متحمسة قبل اسبوع لجلسة حول الاتفاق الاميركي الروسي ) بانتقادات قوية لروسيا لانخراطها مع النظام السوري في قصف عنيف يطاول حلب فيما افسح لمندوب النظام في الامم المتحدة في مؤشر على استمرار التسليم واقعيا بشرعيته في ان يدلي بدلوه ايضا.
استعانت الولايات المتحدة بحلفائها من اجل التصدي لروسيا معها في جبهة موحدة في موضوع القصف الذي يستهدف حلب وسقوط الهدنة التي اتفق عليها الاميركيون والروس وحدهما دون سائر الشركاء في المجموعة الدولية لدعم سوريا، وهو امر يعبر عن ارتباك اميركي في ظل اختلاف وجهات النظر داخل واشنطن حول الاتفاق الاميركي الروسي وعن عدم رغبة الرئيس باراك اوباما في القيام باي مبادرة في الاشهر القليلة الباقية له.
الكلام العالي النبرة الذي وجه الى روسيا تضمن مواقف صريحة تتهمها بالبربرية كما فعلت الولايات المتحدة، في حين ان دولا كفرنسا وبريطانيا ادرجتا ما تقوم به روسيا في اطار جرائم حرب فيما خرج المندوب الدولي في سوريا ستافان دو ميستورا عن ديبلوماسيته الى اتهام النظام بقصف لا سابق له للمدنيين وكذلك فعل الامين العام للمنظمة الدولية بان كي مون. الهجوم الديبلوماسي العنيف على روسيا توج بكلام ديبلوماسي مواكب مفاده ان للصبر على روسيا حدودا ووضع روسيا في موقف دفاعي فيما اعلن النظام السوري الذي يجد باستمرار في الموقف الروسي مدافعا شرسا عنه في مجلس الامن والمجتمع الدولي انه على وشك تحقيق انتصار عسكري. والسؤال الاساسي بعد هذه المواقف القوية هل ان الدول الدائمة العضوية ستدفع روسيا الى لجم اندفاعها في قصف حلب ومساعدتها النظام على تدميرها من اجل اعادة السيطرة عليها وما هي الخطوات التي لوحت باتخاذها متى فقدت صبرها ام ان هذه المواقف هي بدل عن ضائع في ظل ارتباك اميركي واوروبي عشية الانتخابات الاميركية وعجز عن القيام باي شيء عملاني يخفف عن السوريين محنتهم ازاء القصف الذي يقوم به النظام وحلفاؤه ؟.
تقول مصادر ديبلوماسية ان الاعتقاد بان روسيا ومعها النظام وايران لن يعمدوا الى استغلال فرصة الانشغال بالانتخابات الاميركية من اجل السعي الى تسجيل مكاسب ميدانية توجه سوريا والمفاوضات لاحقا في اتجاه اخر عما تم تداوله حتى الان هو اعتقاد في غير محله. فاحدى الوسائل لردع هذا المنحى هي الخطاب القوي الذي اعتمد وقد استخدم المندوب الفرنسي لدى الامم المتحدة مقارنات لحلب حيث شبهها بساراييفو قبل عشرين عاما وبغرنيكا خلال الحرب الاهلية الاسبانية على نحو يحرج روسيا امام الرأي العام العالمي من خلال وضعها امام المسؤولية عن مجزرة انسانية مباشرة او غير مباشرة في حال لم تستخدم مونتها على النظام السوري لوقف هذه المجزرة.
وما لم يؤد هذا التشهير بروسيا الى اعادة احياء الهدنة التي لا تخفي المصادر ان تكون الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية في انهيارها بعد قصف مواقع للنظام في دير الزور بحكم خلاف بين ادارة اوباما والبنتاغون الاميركي حول التعاون العسكري مع سوريا لا بل ايضا على خلفية انزعاج من عقد اوباما اتفاقا مع روسيا ملزما لخلفه، فان اميركا و الدول الاوروبية امام تحدي ان ترقى الى مسؤولية الكلام الذي استخدمته، وذلك تحت طائل محاولة تبرئة ذمتها مما يحصل في حلب مع ترك الامور لروسيا في موضوع سوريا اقله في ما يتعلق بالولايات المتحدة. فالاتهام بجرائم الحرب يحمل في طياته امكان اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية او رفع دعاوى دولية واذا تعذر ذلك يمكن ان تؤدي المفعول نفسه. فبعض رؤساء الديبلوماسية في الدول الكبرى يقرون بانهم تركوا المجال طوعا لروسيا في سوريا لكنهم لم يعتقدوا بانها قد تذهب الى هذا الحد ليس في منع النظام من الانهيار فحسب وتأمين استمراره بل في الانخراط في حرب مباشرة ضد المدنيين في المدن السورية.
لكن ورقة اللجوء الى محكمة دولية وان كانت قوية ومبررة تبدو قاصرة عن لجم النظام كما داعميه وفق ما تخشى المصادر الديبلوماسية المعنية في ظل تسليم الولايات المتحدة واخرين معها حتى الان ببقاء الرئيس السوري على رغم مسؤوليته عما يزيد على نصف مليون قتيل في بلاده وفق الارقام الموثقة لدى الامم المتحدة واتهامه ايضا باستخدام الاسلحة الكيميائية في الحرب. لكن لا بد ان تكون الولايات المتحدة تملك اوراقا يمكن ان تستخدمها تحول دون استفادة روسيا وحلفائها من الوقت الضائع الذي يتمثل ببضعة اشهر بين الانتخابات وتسلم ادارة اميركية جديدة من اجل عدم فرض امر واقع جديد انطلاقا مما تعتقده هذه المصادر انه سيكون تقسيما ميدانيا للواقع في سوريا. وبحسب هذه المصادر فان قصف مواقع للنظام السوري في دير الزور يؤشر الى امكان لعب الولايات المتحدة دورا في ردع استباحة حلب وتدميرها خصوصا اذا كان في واشنطن وجهة نظر تدعم عدم التسليم لروسيا بكل الاوراق.
المصدر : النهار