قبل حسم معركتي إلغاء “دولة الخلافة الإسلاميّة”، وقد بدأتا أخيراً، يتساءل القريبون أنفسهم من طهران و”حزب الله” اللبناني عن دور تركيا فيهما، بل عن دورها منذ بداية “الربيع السوري”. ويقولون أن تركيا عندما قرّرت دخول جرابلس السوريّة المحاذية لها طلبت من أحد ضباط مخابراتها الاتصال بـ”داعش” والطلب إليه سحب آلياته الثقيلة و”وحداته” من المدينة قبل دخول جيشها إليها.
ويقولون أيضاً أن تركيا غضّت النظر منذ البداية عن هذا التنظيم المتطرّف ووفّرت له التسهيلات التي يحتاج إليها مثل (إنتقال مقاتلين وسلاح وأدوية…). كما تؤكّد دور أنقرة وعواصم عربيّة أخرى في تفتيت “الجيش السوري الحر” وفي رعاية نشوء تنظيمات إسلاميّة متشدّدة.
طبعاً لا ينفي الأتراك غضّ النظر والمساعدة لكنّهم يتمسّكون بنفي أي دور لهم في فرط “الجيش السوري الحر”. ويلفتون إلى أن انفراطه أو ضعفه نَجَمَ عن عدم امتلاك عناصره عموماً الخبرة القتالية أو الرغبة في الاستشهاد، وعن انخراط مسلمين أجانب وخصوصاً من دولة تركمانستان في الثورة السورية يمتلكون قدرات قتاليّة واسعة و”تديُّن متطرّف” عارم وشجاعة فائقة ورغبة في “الاستشهاد”.
وهؤلاء هم الذين حقّقوا انتصارات في أكثر من معركة مع آخرين وليس السوريّين. طبعاً، يستدرك القريبون من طهران و”الحزب” أنفسهم، وقعت تركيا في الارتباك بعد التدخّل الروسي العسكري في سوريا، وبعد الاختلاف مع أميركا على أمور عدّة أبرزها اعتماد أنقرة على الأكراد السوريّين لمحاربة “داعش” وعدم قدرتها على التوصّل معها إلى توزيع أدوار عسكريّة مقبول. لكنّها حتى الآن حقّقت أمراً مهمّاً هو منع قيام كيان كردي سوري ذي جغرافيا متّصلة على حدودها، وإقناع أميركا بجعل دور الأكراد في تحرير الرقّة لا يتجاوز تطهير ريفها وحصارها. إلّا أن ذلك قابل للتعديل وفقاً لسير المعارك. علماً أنها لا تزال تمتلك أوراقاً قويّة ومؤثّرة في الحرب السوريّة منها “مَونتها” على “جبهة النصرة” وأخواتها وممارستها نفوذاً واسعاً بواسطتها وبواسطة جيشها على قسم من شمال سوريا. وهذا القسم قد يتوسَّع.
ماذا عن حرب تحرير الموصل؟ السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” حذّر في خطاب العاشر من عاشوراء من أن يكون هدف أميركا دفع “داعش” العراق إلى الرقّة السوريّة مثلما فعل في الفلّوجة، يُجيب القريبون أنفسهم. وذلك خطير. فهناك الجولان وجنوب سوريا وهما منطقتان غير محسومتين. والأردن يبدو منكفئاً عن التدخّل فيهما الآن. لكن هل يبقى منكفئاً وإلى متى؟ وما الذي يدفعه إلى التدخّل؟ وهناك إسرائيل التي تتحرّك لإبقاء شريط حدودي سوري معها يسمّيه “الحزب” “شريط لحد السوري”.
وستفعل ما في وسعها للاحتفاظ به. وهذا أمر يقلق أكثر سوريا لأنه يُفيد إسرائيل ولأن دمشق تصبح في مرماها مباشرة. والخطير في هذا المجال أيضاً في نظر “الحزب” هو أن التخلّص من “داعش” بإلحاق الهزيمة التامّة به صار مطلباً بل قراراً إقليميّاً دوليّاً. لكن لا وجود لقرار ما يتناول “جبهة النصرة” وحلفاءها، طبعاً باستثناء روسيا وإيران.
لماذا يشعر “الحزب” بالقلق من انتقال “داعش” إلى سوريا؟ لأنه يبذل كل جهد ممكن لإبقاء اتصال جغرافي بين سوريا والعراق يؤمّن استمرار اتصال إيران بالأولى وبلبنان “الحزب” وتالياً الدعم المتنوّع. وهذا أمر مرفوض إسرائيليّاً وأميركيّاً. وهذا ما يفسّر إصرار واشنطن على أن تكون لها كلمة أساسيّة أو أولى في تحرير الموصل والرقّة وفي منع قوات الأسد أو قوّات تركيا من الهجوم على الأخيرة حتى الآن على الأقل. والدافع إلى الإصرار هو حرص أميركا على منع إيران وشيعة العراق من السيطرة على سُنّته بعد نجاحهم في السيطرة على مناطق سُنيّة مهمّة في وسطه، والإفساح في المجال في حال لم تتعقّل إيران، أمام خلق كيان سُنّي (دولة؟) في الموصل والرقّة وما بينهما أو كيان (دولة) عراقي مواطنوه سُنّة وأكراد.
طبعاً يعتبر “الحزب” وطهران استناداً إلى القريبين منهما أن “سنتان” لن تكون “عيّيشة” لكن لأميركا ولحلفاء عرب لها رأي آخر. في أي حال بدأت حرب إنهاء “داعش” وهي قد تنتهي قبل تسلّم الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب سلطاته الدستوريّة في الـ 20 من كانون الثاني المقبل، كما قد تستمر. ولا أحد يعرف حتى الآن سياسته حيال المنطقة وخصوصاً حروب سوريا والعراق واليمن.
المصدر : النهار