بصيغة العرض والتمني أعلن بشار الأسد أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سيكون «حليفًا طبيعياً» لدمشق إذا حاربت إدارته الإرهاب لكنه استأنف حديثه بطرح سؤال يحمل في طياته الاستفهام والاستنكار ربما التقريع على العجز،هل يستطيع تحقيق ذلك هل يستطيع أن يمضي في ذلك الاتجاه.
ربما استند بشار الأسد في أمنياته القديمة المتجددة أن يكون رجل مكافحة الإرهاب على خلفية ما صرح به المنتخب ترامب لصحيفة وول ستريت جورنال قال فيها إن استهداف بلاده لنظام الأسد أو دعمها المعارضة السورية المسلحة قد ينتهي بمواجـهة روسـيا.
لو قررنا أن نمسح عقولنا وذاكرتنا المشوشة بمشاهد جثث الأطفال، تحرق ببراميل الأسد تارة وبنابالم بوتين تارة أخرى ، ولو قررنا أن نلبس قناع الإخفاء لنواري سوءات نظام الأسد وتحالف الشر الذي يدعمه، ولو تجردنا من كل إحساس وانفلتنا من عقال القيم الإنسانية وتبرأنا إلى الله من حولنا وقوتنا ، وقبلنا جدلاً أن نفتح الباب أمام مناقشة فكرة لم تعد من باب الجنون المحتمل تحالف بشار الأسد مع الرئيس الأمريكي المنتخب»ترامب»في موضوع محاربة الإرهاب التي يتخذ نظام الأسد وحلفاؤه الروس منه منبراً يحاولون عبثاً الدفع به عن ما اقترفته أيديهم من قتل وتدمير ومحرقة مستدامة وقودها ناس وحجارة المدن السورية.
وقبلنا الولوج في تفاصيل الدراما الأسدية الترامبية دعونا أولاً نسأل سؤالا إذا كان بشار الأسد وجيش مرتزقته يحاربون الإرهاب فمن هو الإرهابي؟وهل بعدما صنع بشار الأسد ومن يحالفه ما صنعوا من بقر البطون وجدع الأنوف وحرق الجثث أو سحلها بعربات عسكرية كما فعل وجههم الآخر»الحشد الشعبي «في عراق العرب فما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون.
وهل يجوز عقلاً اعتبار ترامب حليفاً لمناهضة الإرهاب والتطرف وهو الذي وصل إلى عرش البيت الأبيض بخطاب عنصري بل فتح النار على الجميع.
مازال بشار الأسد ونظامه الهمجي في سكرهم وصحوهم، يتوسلون أمريكا كي تعطيهم دورا لو كان كومبارس أو مشهدا ثانويا غير مهم في ما يسمونه الحرب على الإرهاب ولا تزل إدارة الرئيس المنتهية ولايته أوباما ترفض الموضوع شكلاً وتقبله موضوعاً على أساس أن البديل عنه في سوريا تنظيم الدولة ومن يدور في فلكها.
لم يكد بشار الأسد يصحو من نشوة انتصارات عصبته الباغية على أشلاء أطفال حلب وما بقي من وعر حمص وهو ينتظر ردود أفعال عن آخر ما حرر في حديثه للتلفزيون البرتغالي أدير باللغة الانكليزية والبذة الرسمية والكاميرا تلاحق زرقة عينيه بدلالتها العلمانية الغربية المتربصة بالأصولية السياسية وتفرعاتها الداعشية حتى استفاق على إقرار مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على نظامه وداعميــه روسيا وإيران، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيـــة في سوريا تحت عنوان محاربة الإرهاب و»داعميه» مصطلح واسع فضفاض ربما يغمر الكثيرين بعطفه أو إضافته.
ربما وجد بشار الأسد في ترامب صاحب الخطاب العنصري المتطرف المندفع بغوغائيته ونرجسيته تقاطعاً ما في منطقة الحرب على الإرهاب وهو ما يوافق مزاج نظام دمشق صاحب بدعة لا صوت يعلو فوق صوت محاربة الإرهاب وكل ما سواه غير مطروح للنقاش على جدول أعمال رئيس النظام الأسدي وربما وجد ما كان يفتقده عند الإدارة السابقة.
لكنني مازلت أعتقد أن محاولات بشار الأسد العبثية وحليفه الروسي «بوتين» المتطلع لشراكة مستقبلية مع ساكن البيت الأبيض الجديد المتقارب بالأفكار المعجب بالكاريزما البوتينية في البحث عن دور ما قد يوكل إليه في الحرب على الإرهاب لن تنتهي لأنه سيجد فيها ترياق حياة يعيد النبض لقلبه الذي يعيش في غرفة الانعاش المزدوجة الروسية الإيرانية.
ولنتذكر أن عنوان محاربة التطرف والإرهاب هو العنوان الرئيسي الذي مازال نظام بشار الأسد يحاول تسويقه في معرض تبرير ذبح الشعب السوري وحرق مقدراته وهو بالمقام ذاته مبرراً لتواجد موسكو لحضورها العسكري الدموي في سوريا وشماعة لما تقوم به من مجازر .
وبما أن ترامب صرح أكثر من مرة أنه مهتم بالتعاون مع موسكو حليفة الأسد في ميادين محاربة المنظمات الإرهابية وأنها تبلي بلاءً حسناً في هذا المقام فلماذا لا يحاول الاصطياد في هذه البحيرة «الحرب على الإرهاب» ويستغل انبهار وإعجاب بوتين موسكو بترامب واشنطن .
بشار الأسد يحاول للمرة الألف أن يدخل من هذه الثغرة متكئاً على دعم قوي من روسيا يضع نصب عينيه وأمامه تصريحات ترامب بأن اولويته هي القضاء على تنظيم الدولة وإعادة النظر في برنامج تديره» سي آي إيه»لتدريب ودعم المعارضة السورية التي لا يعرف من هي، وعبرعن قلقه لما سيأتي بعد سقوطه.
صحيح أن ترامب قال هذا كله لكنه لم يقل أنه سيمد يده لنظام الأسد، بل أن ترامب نفسه قال في مناظرته أمام هيلاري كلينتون: لا أحب بشار الأسد لكنه يحارب إنتاجك تنظيم الدولة وأوصى باستخدام «قوة هائلة» ضد الأسد.
دعونا لا نبعد عن تفكيرنا أن ترامب لن يكون وحده صانع القرار في البيت الأبيض بقطع النظر عن مزاجه الحاد خاصة في التعاون العسكري مع روسيا الأمر الذي لا يروق للكثيرين في الولايات المتحدة وعارضه البنتاغون بشدة وعبر مسؤولون رفيعو المستوى في إدارة أوباما»السابقة»عن شعورهم بالقلق وضرورة الحذر من التعاون مع روسيا.
ولنتذكر أن البنتاغون «وزارة الدفاع» رفض سياسة أوباما التي جعلت سوريا ميداناً للروس والاكتفاء بمتابعة الميدان من على المدرجات الاوكرانية.
يجب أن لا نسقط من حساباتنا قيادات الحزب الجمهوري الذين أعادوا اختيار «ميتش مكونل» زعيماً للأغلبية، الذي نقل عنه بعد اختياره»قلت للرئيس المنتخب،في حالة القضايا التي لن نوافق عليها فعليك أن تتوقع قتالاً قوياً وصعباً،وتلك ستكون طبيعة علاقتنا.»
صقور الجمهوريين المتعصبين ربما يكون منهم وزير الخارجية أو الدفاع ومنهم من يعودون لحقبة احتلال العراق وقانون معاقبة سوريا .
من المرشحين «نيوت غينغريتش «الذي يسجل له مواقف معادية لإيران، ودعا إلى تمزيق الاتفاقية النووية بين المجتمع الدولي وطهران، داعياً أيضاً إلى إسقاط نظام الملالي. وهو الذي قال أن فترة الإدارة الأمريكية المقبلة ستكون «فترة استثنائية في تاريخ أمريكا السياسي» هؤلاء الأشخاص بالتأكيد لن يصافحوا ذراع إيران في سوريا بشار الأسد .
من جهة أخرى لا يتفق «رومني»المرشح لوزارة الخارجية،وترامب على السياسة التي سيتم تطبيقها حيال روسيا،ويعلن صراحة أن روسيا هي العدو الجيوستراتيجي الأول للولايات المتحدة.
كل ما يمكننا فعله بانتظار أن تظهر التشكيلة النهائية لفريق ترامب أن ننتظر ونراقب .
وفي السياق نفسه سيستمر بشار الأسد في بحثه الدائم كي يصبح شريكاً في محاربة الإرهاب الأمر الذي يعطيه شرعية دولية مفتقدة ويبرر من خلاله كل ما فعل في سوريا ويستمر في سلطته تحت العنوان نفسه محاربة التطرف والجهاديين .
لانعتقد أن ترامب سيعطيه هذا الدور خاصة لو تذكرنا تودد ترامب للقيادة التركية الداعمة للثورة السورية والرغبة الجدية في التعامل معها وربما التقارب مع السعودية حليفة تركيا وداعمة الثورة السورية الرافضة لنظام الأسد.
الموضوع في غاية التعقيد ولست اعلم كيف سيستطع ترامب أن يوافق بين الحلفاء الأعداء في ملفات وملفات.
ترامب لن يكون اللاعب الوحيد وصاحب القرار القطعي بالتعاون العسكري مع موسكو أو التحالف مع نظام دمشق حليف إيران وذراعها في سوريا،التي يبغضها.
المصدر : القدس العربي