مقالات

خليل العناني – بوتين الملهم الجديد للسّاسة الغربيّين

تحوّل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى أيقونةٍ سياسيةٍ وزعيم ملهم لكثيرين من رموز تيارات اليمين المتطرّف في الغرب والولايات المتحدة. ويبدو أن الرجل يستمتع بهذه الرؤية الجديدة له، بعد عقود من الكراهية التي وصلت أحياناً إلى حد العداء والاحتقار لسياساته داخلياً وخارجياً. فمن إيطاليا إلى ألمانيا مروراً بالنمسا وفرنسا، بات بوتين رمزاً للقوة “البيضاء” المسيحية التي يجب أن يكون عليها الساسة في هذه البلدان.

وقد نجح بوتين في مغازلة تيارات اليمين المتطرّف في أوروبا وأميركا، بشكل مباشر وغير مباشر. بل يذهب بعضهم إلى القول إن بوتين يقدم دعماً سياسياً ومالياً ولوجيستيا لهذه التيارات التي تبدو منسجمةً مع هذا الدعم، وترى فيه فرصةً ليس فقط لتقويض خصومها الداخليين، وإنما أيضا قدوة يجب أن تُحتذَى. ففي أميركا، علي سبيل المثال، ثمة شكوك متزايدة بأن روسيا لعبت دوراً مهماً في الانتخابات الرئاسية، أخيراً، بتوجيه الناخبين ناحية المرشح الجمهوري دونالد ترامب، سواء في عمليات القرصنة الإلكترونية التي قام بها مبرمجو حاسب آلي، يُعتقد أنهم روس، وذلك في بعض الولايات المتأرجحة التي حسمت الانتخابات، مثل ويسكنسون وبنسلفانيا وفلوريدا، وثمّة مطالبات عديدة الآن للقيام بعملية إعادة فرز للأصوات في هذه الولايات، أو من خلال تشويه صورة الحزب الديمقراطي، ومرشحته هيلاري كلينتون، عبر اختراق البريد الإلكتروني لمدير حملتها الانتخابية، جون بوديستا، وكذلك للهيئة العليا للحزب الديمقراطي وكشف مؤامرة كلينتون ومساعديها ضد منافسها الديمقراطي، بيرني ساندرز، في أثناء الانتخابات التمهيدية. وفي الوقت نفسه، لم يخف دونالد ترامب إعجابه ببوتين أكثر من مرة في أثناء الحملة الانتخابية، في إطار هجومه على الرئيس باراك أوباما.

وفي فرنسا، تفيد تقارير إخبارية عديدة بأن ثمّة دعماً مالياً، تقدمه موسكو لمرشحة اليمين المتطرّف وزعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، وصل أحياناً إلى حوالي 11 مليون دولار على هيئة قروض من بنوك روسية، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الجاري. ومن المتوقع أن تفوز لوبان في الانتخابات الرئاسية في فرنسا المقرّر عقدها الربيع المقبل. وفي إيطاليا، ثمة شكوك بوجود دعم روسي غير مباشر لحركة “النجوم الخمسة” الشعبوية، والتي فاجأت الجميع قبل ثلاثة أعوام وفازت بحوالي 67% من المقاعد في الانتخابات البلدية، وهي الحركة التي تطالب بانسحاب إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، وتتبنى مواقف متشدّدة تجاه المهاجرين. ومن المتوقع أن تفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقرّرة العام المقبل. وفي النمسا، بات مؤكداً فوز التيار اليميني المتطرّف، بقيادة زعيم حزب الحرية، نوربرت هوفر في الانتخابات الرئاسية التي تجري الأسبوع الجاري. وقد فاز هوفر في الدورة الأولى للانتخابات بحوالي 35% من الأصوات، ونجح في الطعن علي نتيجة الانتخابات التي جرت في مايو/ أيار الماضي، بسبب أخطاء إجرائية.

وهو أيضا من أشد المعادين لمسائل الهجرة والتعدّد الثقافي والديني، ويتبنى خطاباً شوفينياً متطرّفاً تجاه الآخر. وقد تأسّس حزب الحرية عام 1965 على أيدي نازيين سابقين، وقد شارك في الحكومة عام 2000، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على النمسا آنذاك. وفي ألمانيا التي تعد بحسب بعضهم آخر معاقل الليبرالية الغربية، خصوصاً بعد فوز ترامب في الولايات المتحدة، ثمة صعود متزايد للتيارات النازية والشعبوية المتطرّفة، قد يُترجم إلى مكاسب سياسية قريباً. وهناك محاولاتٌ حثيثةٌ من هذه التيارات، للوقوف في وجه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي قرّرت التنافس على منصب المستشار للمرة الرابعة، وهناك شكوكٌ في قدرتها على النجاح في الانتخابات التي سوف تجري أواخر العام المقبل.

ويتزامن صعود اليمين المتطرّف في أوروبا وأميركا مع حالة البلطجة التي يمارسها بوتين على الصعيدين، الدولي والإقليمي. ويبدو أن السلوك السياسي المتعجرف والصلب لبوتين شجّع تيارات الشعبوية في أوروبا على استلهامه، ومحاولة تقليده، باعتباره الطريق الوحيدة للتعاطي مع التحديات الكثيرة التي تواجه القارة العجوز، خصوصاً في قضايا الهجرة والتراجع الاقتصادي والتعدّدية الثقافية. وهم يرون في بوتين نموذجاً قوياً لردع المخاطر التي تتهدّد بلادهم من خلال استخدام القوة. ووصل الأمر مع المتطرفين الدينيين إلى اعتبار بوتين آخر القادة الذين يدافعون عن القيم المسيحية، على الرغم من انتمائه للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، كما أنه يدافع عن نقاء العرق الأبيض. يقول سام ديكسون، محامي منظمة كو كوكلس كلان الأميركية المتطرّفة في تعليق في “نيويورك تايمز” على بوتين “دائماً ما أعتبر روسيا حارس البوابة الذي يحمي الغرب من الغزو الشرقي ويحمي المسيحية. أنا معجب بالأمة الروسية، وأراها أقوى أمةٍ بيضاء علي وجه الأرض”. في حين يرى أودو فيوجت زعيم الحزب الديمقراطي الوطني المتطرّف في ألمانيا أنه يريد “مستشاراً ألمانياً بقوة بوتين الذي يعمل لصالح بلاده”.

ويرى هؤلاء أن مواقف بوتين الدينية والأخلاقية تمثل تجسيداً للقيم المسيحية المحافظة، خصوصاً في مواجهة ما يرونه تهديداً وجودياً لها، وهم يثنون على مواقفهم الرافضة بعض القضايا الاجتماعية، مثل الإجهاض وزواج المثليين. ويقول بعض هؤلاء إن روسيا تمثل آخر الدول “المسيحية” القوية التي تدافع عن منظومة القيم الثيولوجية الغربية، في ظل تراجع الولايات المتحدة قطباً دولياً.

بل وصل الأمر إلى حد دفاع هؤلاء عن بوتين في مواجهة خصومهم السياسيين المحليين. وعليه، تحولت روسيا، للمرة الأولى في التاريخ الأوروبي، إلى مادة للتجاذب والانقسام داخل السياقات المحلية الأوروبية، وهو ما قد يحقّق ما يصبو إليه بوتين من تفكيك الاتحاد الأوروبي وإضعافه، ما قد يفيد بوتين في إنجاز أجندته التوسعية، وتنفيذ حلمه الإمبراطوري على أنقاض القارة العجوز.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى