أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن النظام السوري والقوى المعارضة له وقعوا اتفاقا لوقف النار يمهّد لبدء مفاوضات سلمية بين الجانبين، بحيث تكون روسيا ضامنة لالتزام النظام، في مقابل ضمان تركيا التزام المعارضة الهدنة، في خطوة قد تكون الابرز في نهاية سنة 2016، إذا وضعت فعلا نهاية الحرب السورية على السكة، فيما تدخل سنتها السادسة بعد أشهر قليلة، ولم تكن كل المحاولة الروسية عرضا ديبلوماسيا مهما.
ويبدو أمرا لافتا ومثيرا أن تتمكن روسيا التي كانت اتفقت مع الولايات المتحدة في ايلول الماضي على وقف للنار في سوريا لم ينجح، أن تتلمس تحقيق هذا الانجاز مع قوتين إقليميتين هما تركيا وايران، في موازاة تطورين، الاول هو إبعاد الولايات المتحدة عن الاتفاق، أو عزلها، والاكتفاء بالاعلان انها يمكن ان تلتحق بالاتفاق لاحقا متى تسلم الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب مهماته، وكذلك الدول الاوروبية التي تجاهلتها روسيا كليا، فيما قالت أنه يمكن الدول العربية الالتحاق ايضا او الانضمام الى الاتفاق لاحقا.
وهذا الابعاد طاول ايضا الامم المتحدة التي جاهد المنسق الخاص لروسيا ستافان دو ميستورا لتحديد 8 شباط موعدا لاستئناف المفاوضات بين النظام ومعارضيه، في الوقت الذي حددت روسيا استانا من أجل بدء المفاوضات بين الجانبين خلال شهر، إذا صمد وقف النار، فيما بعض العناوين التي استندت اليها مع تركيا وايران مستوحاة او مبنية على القرار 2254 الذي يلحظ مراقبة لوقف النار ومحاربة “داعش” وفصل “النصرة” عن المعارضة، فيما يعني ابعاد الامم المتحدة ايضا وايجاد تسوية من دونها ابعاد تأثير قرارات محتملة عن استخدام النظام الاسلحة الكيميائية ضد شعبه وكذلك مسؤوليته عن قصف القافلة الانسانية التابعة للامم المتحدة في ايلول الماضي. والتطور الثاني هو اتفاق روسيا مع ايران وتركيا على الخطوات لوقف النار والتمهيد لبدء المفاوضات على نحو يبرز هؤلاء الافرقاء كرعاة مسؤولين عن صياغة مسودة اتفاق سوري – سوري يدحض الى حد كبير منطق النظام عن استقلاليته او قدرته وحده على قيادة حوار مع معارضيه أو حتى رغبته في اعتماد حلب منصة من أجل الانتقال الى محاولة استعادة السيطرة على مناطق أو مدن سورية أخرى.
يسجل الاعلان عن اتفاق لوقف النار مكسبا، لا بل نصرا كبيرا للرئيس الروسي في حال نجاحه أو ثباته وعدم انهياره، علما أن هناك بذورا أو نواة لذلك تكمن في استثناء تنظيم “داعش” من الهدنة، وكذلك عناصر “النصرة”، مما قد يبقي امكانات عودة الاقتتال كبيرة جدا خصوصا متى اتخذها النظام ذريعة من أجل استئناف حربه على المعارضة للقضاء عليها. سارع بوتين في المدة الفاصلة بين اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية في اوائل تشرين الثاني الماضي وتسلم الرئيس الاميركي المنتخب الرئاسة، ليس فقط الى ضمان سيطرة النظام على حلب وتمكينه من امتلاك اوراق قوية تعزز موقعه ازاء المعارضة، بل الى جمع الجانبين السوريين تمهيدا لمفاوضات سلمية. وهو بذلك يكرس موقعا تاريخيا مهما له كما دورا لبلاده في معادلة الشرق الاوسط ما بعد الانتفاضات العربية، في مقابل التراجع الاميركي التاريخي أيضا، على رغم أن فشل وقف النار وتاليا احتمال الذهاب الى مفاوضات سلمية خلال شهر، سيشكل تحديا كبيرا لبوتين لأنه سيهز بقوة كل ما عمل له خلال الفترة الماضية.
مسارعة بوتين لتكريس أمر واقع قبل تسلم ترامب سلطاته قد تشي بوجود اتفاق ضمني بين الجانبين لا يستبعده كثر انطلاقا من ان البديل من اتفاق سايكس- بيكو في المنطقة لا يسري من دون مشاركة اميركية، لكنه ايضا يعبر عن خشية الرئيس الروسي ألا يتمكن النظام من المحافظة على ما استعاده بمساعدة روسيا وايران كحلب مثلا في الآونة الاخيرة، من دون أن يتأمن وقف للنار يمنع المعارضة من محاولة السعي الى استعادة السيطرة على المدينة مثلا، او ان لا يستطيع بوتين ان يحصل على “الشرعية” التي يسعى الى انتزاعها من الولايات المتحدة، من دون أن يضمن موافقة المعارضة السورية على مسودة الاتفاق على وقف النار والذهاب الى مفاوضات سياسية. يقول مطلعون إن تجربة استعادة تنظيم “الدولة الاسلامية” مدينة تدمر بالتزامن مع تسجيل روسيا انتصارها في اخراج المعارضة من حلب، شكلت إنذارا بالغ الخطورة الى أنه ليس مؤكدا وليس مضمونا قدرة النظام على المحافظة على ما يكسبه من دون التلويح بتسوية سياسية، خصوصا ان اكثر من ثلثي الاراضي السورية لا يزال خارج سيطرته.
الاسئلة التي يترقب كثر الاجوبة عنها تبعا لذلك كثيرة. وهي تبدأ ولا تنتهي عند تلك المتعلقة بامكان استئثار روسيا مع تركيا وايران فرض تسوية في سوريا، ام ان هناك قبولا ضمنيا ان لم يكن ثمة توافق او تفاهم سابق ساهم في الوصول الى اتفاق وقف النار، خصوصا متى كانت معالم التسوية السياسية سابقة للمفاوضات، وهي اقتضت استمرار بشار الاسد في موقعه لبعض الوقت، واين هو موقع الولايات المتحدة، وهل ستوافق او تنضم الى الاتفاق وفق الدعوة الروسية ام ان رد فعلها سيكون مختلفا في حال كانت مبعدة فعليا كما في حال حصل اقتسام سوريا بين نفوذ دول اقليمية ابعدت خلالها دول اخرى، وما الذي يعنيه ذلك؟ وهل النظام الذي اظهر بقدرة حلفائه امكان استعادة السيطرة على المدن المأهولة في سوريا نتيجة سياسة الحصار والتجويع التي يمارسها سيتوقف عند ما استعاده، ام هي مجرد هدنة يعزز فيها قواه قبل ان يواصل حربه في ظل اقتناعه بقدرته على ذلك؟.
المصدر : النهار