قبل أسبوع من موعد تنصيبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة، كشف رونالد ترامب ووزراؤه ومساعدوه تباعاً أهداف سياسته في الداخل والخارج.
ففي مؤتمره الصحافي وأمام لجان الكونغرس تحدث الرئيس الأمريكي المنتخب ثم وزراؤه ومساعدوه المرشحون لحقائب الخارجية والدفاع ولرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A) عن التحديات التي تواجه امريكا ورؤاهم لكيفية مواجهتها. ما تلفّظ به هؤلاء جميعاً يطرح سؤالاً عمّا تبقّى لترامب ليقوله في خطاب التنصيب يوم الجمعة المقبل.
ترامب معروف بتقلّبه ونزقه، ولن يستصعب تالياً أن يقول يوم تنصيبه أموراً مناقضة لما تفوّه به سابقاً، وما أدلى به وزراؤه ومساعدوه لاحقاً أمام لجان الكونغرس. مع ذلك، لا بأس في بيان بعض ما قاله وقالوه ومقارنته بأقوال ومواقف للرجل الذي سيحكم أقوى دول العالم لمدة أربع سنوات مقبلة في الأقل.
كان ترامب قد اعرب عن اعجابه ببوتين مراراً خلال حملته الانتخابية، لدرجة ان موقع «بازفيد» اتهمه بامتلاك روسيا ملفات عنه تتضمن فضائح إباحية تمسّ موقعه الرئاسي، وأن ذلك يفسر موقفه المتوجّس والمتودد من الرئيس الروسي. ترامب لم يتحمّل هذا الاتهام المهين ولم يكتفِ بنفيه، بل أرفق به تأكيداً بأن «لا علاقة لي بروسيا ولا يوجد عقد ولا قروض ولا شيء إطلاقاً ولا صداقة مع روسيا، لأن بيننا خلافات على المصالح».
مرشح ترامب لحقيبة الخارجية ريكس تيليرسون كان أقل ترفقاً ببوتين من رئيسه. قال امام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس إنه لا يستبعد دوراً روسياً في الاختراق الإلكتروني للانتخابات الامريكية، مرجّحاً ان يكون الرئيس الروسي اعطى ضوءاً اخضر لهذه الغاية. كذلك بدا تيليرسون أكثر تشدداً مع روسيا من ترامب بانتقاده «استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم»، مؤكداً على ان روسيا الآن تشكّل خطراً، وانه «من حق حلفائنا في الحلف الأطلسي ان يقلقوا من بروزها مجدداً».
كما تميّز تيليرسون عن ترامب بموقف اكثر تشدداً من الإسلام الراديكالي وأكثر ليونة حيال حلفاء امريكا الخليجيين. قال إنه يقتضي «إعادة بناء ارتباطاتنا القديمة والهشة الآن، والتشدد مع خصومنا والرد على انتهاكاتهم للاتفاقات»، كما وضع تنظيم الاخوان المسلمين و»عناصر في ايران»، وتنظيم «القاعدة» ضمن سلّة «التطرف الإسلامي».
مرشح ترامب لحقيبة الدفاع الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس ومرشحه لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو اتخذا أمام الكونغرس مواقف مغايرة لرئيسهما في مسائل جوهرية بينها دور الاستخبارات الامريكية والسياسة التي تنتهجها روسيا.
ماتيس أعلن، خلافاً لترامب، التزامه بالاتفاق النووي المبرم مع ايران والدول الست، مشدداً في الوقت ذاته على وجوب الرد على «خروقاتها الصاروخية البالستية»، متهماً الرئيس الروسي بالسعي الى تفكيك الحلف الأطلسي، وداعياً – خلافاً لترامب- الى «ترميم التحالف مع الدول العربية الخليجية». كما دعا ماتيس إلى «استعادة العلاقات مع اسرائيل (وكأنها مقطوعة أصلاً) والسعي الى حـل النـزاع الفلسطيني- الاسرائيلي»، مؤكداً أن النظام العالمي يواجه «أضخم هجوم منذ الحرب العالمية الثانية»، ومحمّلاً روسيا والصين وتنظيمات ارهابية دولية مسؤولية اتجاهات وممارسات مزعزعة للاستقرار. غير ان أهم «اعترافاته» امام الكونغرس قوله إن الجيش الامريكي ليس مستعداً تماماً لمواجهة كل هذه التحديات.
بومبيو كان اكثر صراحةً وتشدداً من زميله ماتيس. أكد على ضرورة مواجهة روسيا، ووصف ايران بأنها «دولة قيادية في رعاية الإرهاب»، وأن الحرب في سوريا انتجت «أسوأ الأزمات الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، وأدت الى تفاقم التطرف والمذهبية وعدم الاستقرار في المنطقة واوروبا، وإلى أسوأ ازمة للاجئين في التاريخ الحديث».
من مجمل ما ادلى به وزراء ترامب ومساعدوه يتضح أن كلهم التقوا معه على إدانة الإرهاب، وضرورة التشدد في مواجهته، لكن اياً منهم لم يرتقِ الى مستواه في تحميل الولايات المتحدة (خلال رئاسة اوباما) مسؤولية إنتاج تنظيم «داعش» ورعايته، وإن كان كلهم اكثر تشدداً منه حيال روسيا والصين. لكن اللافت ان ماتيس خالف ترامب في مسألة الاتفاق النووي، إذ دعا الى التزام بلاده به لأنه «عندما تلتزم الولايات المتحدة كلمتها عليها ان تحترم هذا الالتزام، وأن تعمل مع الحلفاء للتأكد من تطبيق الاتفاق».
لماذا كشف ترامب الكثير من أهدافه قبل خطاب تنصيبه؟ لماذا سمح بهذا التباين في المواقف من بعض القضايا الاساسية بينه وبين وزرائه ومساعديه؟ هل هو نتيجة تفاهم مسبق بينه وبينهم، كما ادعى، لتمكينهم من «إبداء وجهات نظرهم الخاصة»؟ هل هو نتيجة تقلّبه في الرأي والنوازع؟ أم هو نتيجة مراعاته ووزرائه لالتزامات قديمة لأمريكا حيال حلفائها، كما حيال خصومها، ما يستوجب تدوير الزوايا حفاظاً على مصالح اساسية؟
ثمة أجوبة متعددة لهذه الأسئلة المحيرة. لكن الأمر الثابت ان امريكا والعالم سيكونان، خلال عهد الرئيس الأدنى شعبيةً بين الرؤساء الأمريكيين في تاريخ الدولة الأقوى في العالم، في حال ترقّب دائمة لمفاجآته الكثيرة والمثيرة في الداخل كما في الخارج، وإن ذلك يشكّل، من بين أمور أخرى، أحد ابرز الأدلة على ان النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ماضٍ إلى أفول، وإن نظاماً عالمياً مغايراً وملتبساً يولد من جديد.
المصدر : القدس العربي