مقالات

ثائر الزعزوع – موسم الرحيل إلى أستانة

تبدو أبواب العاصمة الكازاخية مفتوحة على مصراعيها لاستقبال أولئك الذين تصطفيهم موسكو بعناية شديدة للوصول إلى ما يفترض أنه حل نهائي للمسألة السورية، بحيث يكون ذلك الحل مرضياً لغرور الإدارة الروسية لأنها تحب أن تظهر بمظهر المنتصر القادر على فرض رؤيته على العالم الجديد، الذي تريد أن تقنع نفسها بأنها قادرة على إدارته.

وفي الوقت نفسه يكون ذلك الحل خلاصاً لها من ورطتها السورية التي تشير كافة المؤشرات إلى أنها ليست نزهة ولا حقل تجارب لأسلحة وعتاد كما صرح بذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متفاخراً في شهر مارس من العام المنقضي.

إذ أن الأمر تجاوز كونه تدريبا عمليا ودخل في مسارات مختلفة لا تريد الإدارة الروسية التفكير فيها ولا في ما ستقودها إليه تلك المسارات التي تبدو أشبه بالمتاهة، خاصة بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض، وتحول اللعبة إلى لعبة دولية مفتوحة ستكون روسيا، رغم البروباغندا التي تصورها قوة لا يستهان بها، مجرد حصان هرم لا يقوى على منافسة الخيول المتمرسة في مثل هذا النوع من السباقـات والألاعيب التي تحتاج نفساً طويلاً وترتيبات مختلفة تماماً، ولا يمكننا أن نخرج التبدل في رؤية ترامب للتدخل الروسي في سوريا عما يمكن أن يحدث لاحقاً، فترامب صار يرى ذلك التدخل خطأً كبيراً بعد أن كان وحتى وقت قريب يباركه ويعتبره ضرورياً.

دونالد ترامب يريد أيضاً تأديب إيران، وهذا تفصيل مهم في المسألة السورية، لأنه وبمجرد تقليم أظافر دولة المرشـد، فإن أشياء كثيرة ستتغير على أرضنا التي باتت مرتعاً لميليشيات “قم” الطائفية.

فصل أستانة حتى الساعة يبدو مكتوباً بحرفية عالية، تتولى موسكو اصطفاء من تراهم مناسبين، ولا تبدو شروطها تعجيزية، إذ يكفي التبرؤ من الثورة وتصوير روسيا بمظهر المخلص العالمي كي يتم قبول الراغبين في الحضور، من شخصيات حتى وإن كانت ثانوية وغير مؤثرة في المشهد برمته، كما فعل مؤخرا العميد الركن مصطفى الشيخ، والذي كان حتى قبل أسبوع واحد من ظهوره على وسائل الإعلام الروسية يتحدث بلسان الثورة ويضرب بسيفهـا.

وقـد نكتشف لاحقا أن العميد الشيخ وسواه لم يكونوا أكثر من أحصنة طروادة تظاهروا طيلة سنوات بالوقوف إلى جانب الثورة، بل وشغلوا مناصب قيادية، عسكرية أو سياسية، في الكيانات التي تشكلت على هامش الثورة، ثم وفي الوقت المناسب فتحوا تلك الثغرة المطلوبة وغادروا ليكون لهم بعد قليل كرسي حتى وإن كان في الصفوف الخلفية حول طاولة مفاوضات أستانة.

وليس مستبعداً أن تتداعى شخصيات أخرى لإعلان ولائها لموسكو وتلعن الثورة، هكذا ريثما يكتمل النصاب المطلوب لتشكيل نواة لمرحلة انتقالية ترسمها روسيا بمساعدة تركيا، التي وإن ظهرت في المشهد على أنها لاعب أساسي إلا أن دورها على ما يبدو يقتصر على ترتيب الجالسين على الطاولة من المعارضة، ولا مانع من أن يكون لها بعض الشروط في ما يخص هذا الطرف أو ذاك، لكـن موسكو هي من ستتولى ما تبقى من إجراءات شكلية وعملية، ليقف بوتين في آخر المطاف معلناً نفسه صانع سلام وحيداً في ملف عجز العالم عن إيجاد حل له.

هل نريد أن نصدق أن هذه الأشياء كلها سوف تحدث بمجرد ذهاب بعض الأشخاص غير الفاعلين أصلاً إلى أستانة، والجلوس حول طاولة مفاوضات ليهزوا رؤوسهم موافقين على ما يقال لهم ويتصافحوا في نهاية جلستهم أو جلساتهم تلك ليعود الهدوء ويعـم السـلام، وكـأن شيئاً لم يكن، فلا ثورة حدثـت وما زالـت مستمـرة، ولا بـاقي التفاصيل والتعقيدات الأخرى وما أكثرها.

أحلام بوتين، في أن يكون بطل الحرب والسلام، ستذروها الرياح القادمة، وقد لا يجد هو نفسه مكاناً على طاولة ترتيب الأوراق لاحقا.

علينا أن ننتظر لأن اللعبة تصبح أكثر تعقيدا وخيوطها تتشابك، لكن المؤكد أن نظام دمشق، الذي صار نمراً من ورق، لن يتجاوز دوره دور طاغية جلب المحتلـين وسـوف يتطاير أسرع مما يتوقع هو نفسه.

فلا أحد يريد الرهان عليه، حتى وإن كان يملك مفاتيح سر تنظيم داعش ويساوم بها، من منطلق مقولة إما أنا وإما الإرهاب، فهذه أيضاً خدعة رخيصة ولم تعد تنطلي على أحد.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى