مقالات

علي العائد – ترامب وتركيا والاتحاد الأوروبي: سيستم يوك

أكثر ما يتندر به السوريون المقيمون في تركيا على مضيفيهم ظاهرتان: أن الأتراك لا يتكلمون الإنكليزية؛ إضافة إلى الظاهرة الكونية التركية الشهيرة “سيستم يوك”.

الأولى يفترض فيها السوريون أنهم يتكلمون الإنكليزية كأحفاد شكسبير، مقارنة مع الأتراك الذين يعتذرون عن التحدث بالإنكليزية لعدم معرفتهم بها، أو لتعصبهم للغتهم أمام الـ”يابانجي”، أي الأجنبي، واليابانجي السوري خصوصاً. على الرغم من أن مروجي هذه الطرفة في أغلبهم لا يعرفون من الإنكليزية سوى الأرقام والضمائر وبعض الجمل البسيطة العامة.

أما سيستم يوك، التي صادفها كل من كان ينتظر حوالة عن طريق شركات تحويل الأموال المرخصة، فتعني أن النظام معطل. بالطبع، النظام لم يكن معطلاً أبداً، فشركات تحويل الأموال لها مكاتب في فروع كل البنوك التركية، ولا يُعقل أن “السيستم” معطل في البنوك مرات عديدة في كل أسبوع.

لا نعرف بالضبط ما أصل هذا الاعتذار التركي عن تلبية طلبات السوريين اللاجئين، والمستلجئين، في تركيا، وهل هو مزاجية موظفين كثيرين، أم نظرة استعلائية تجاه السوريين، أم أن ظاهرة الـ”سيستم يوك” حقيقية وليست ادعاء. في كل الحالات هنالك مشكلة؛ سواء أكانت سلوكية أم عنصرية أم اقتصادية.

هذان جداران فقط أمام السوريين في تركيا. وهنالك جدران أخرى تتناسل في وجه السوريين في تركيا والعالم، بعد أن فروا بحياتهم هرباً من جدران الموت والفقر في بلادهم، “مختارين” عدم الرضوخ لأبد جدران الخوف التي فجروها بثورتهم.

الجدران الأخرى منصوبة على الحدود البرية جنوب تركيا – شمال سوريا، فعدا الرقابة الدموية على الحدود في السنتين الأخيرتين، والتضييق على الخروج والدخول في الاتجاهين، هنالك الخوف التركي من داعش والأكراد. وهنالك جدار آخر أقل وطأة من قبضة حرس حدود بحر إيجة في اتجاه اليونان، هو البحر ذاته، بأسماكه، وحرس الحدود الأوروبية؛ هذا الجدار البحري انتصب ليصبح تركياً – أوروبياً لمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى تركيا لزيارة ما تبقى من أهاليهم بعد فرض “الفيزا” على حملة الجواز السوري الضعيف قبل أكثر من عام.

وحتى لو لم يكن جدار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موجهاً ضد السوريين فقط، فإن الإحساس بالمظلومية قد ازداد، كون السوري الذي وصل مسبقاً إلى أميركا سيكون تحت الملاحظة المضاعفة لعسس ترامب، بينما سيفقد من ينتظر السفر إلى أميركا الأمل في السفر إليها في الشهور الأربعة المقبلة، انتظاراً لانتهاء هذه المدة المؤقتة، أو أملاً في أن تنجح الضغوط على الرئيس الأميركي ويلغي، أو يعدل، قراره التنفيذي.

لكن الأرقام الفيدرالية الأميركية تقول إن مجموع من تم توطينهم في أميركا بالاتفاق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في الفترة من يناير 2012 إلى 29 ديسمبر 2016 وصل فقط إلى 19 ألفاً و324 لاجئاً سورياً، منهم 19 ألفاً و25 مسلماً، و199 مسيحياً، إضافة إلى 85 من طوائف أخرى.

هذا يعني، نسبياً، وفي ما يخص السوريين، أن قرار ترامب متخذ سلفاً في عهد أوباما. فالسويد التي كان عدد سكانها عام 2011 حوالي 9.5 مليون نسمة، استقبلت حتى منتصف 2015 حوالي 500 ألف لاجئ. وحسب موقع الكومبس السويدي، شكل السوريون 18 بالمئة فقط من اللاجئين، أي 90 ألف لاجئ سوري. وبالمقارنة بين عدد سكان البلدين نفترض أن أميركا كان يجب أن تستقبل أكثر من ثلاثة ملايين سوري خلال المدة نفسها لو كان البلم المطاطي قادراً على عبور المحيط الأطلسي.

اليوم، ننام ونستفيق على إيقاع فاعلية قرارات ترامب التنفيذية الموجهة ضد العالم خارج أميركا، فالرجل لم يتفرغ حتى اليوم للمواطن الأميركي، والوطن الأميركي، على الرغم من ادعائه أن جدار المكسيك، والجدار العالمي ضد المسلمين، هما لحماية الأميركيين من الأشرار العابرين للحدود براً وبحراً وجواً. والاعتقاد، هنا، أن انتظار نجاعة قرارات ترامب التنفيذية سيطول، بينما أفلحت إجراءات النظام الأسدي، والأنظمة الأوروبية، والتسامح التركي، في حجز السوريين، فوجدوا الجدران أمامهم ومن خلفهم، وكل من وصل إلى المكان الذي وصل إليه لا يستطيع التقدم، أو التراجع، حتى أن ميانمار فرضت على السوريين الحصول على “فيزا”، تلاها السودان، بعد معظم الدول العربية، وخاصة دول الخليج، التي استقر فيها عدد اللاجئين السوريين على صفر سلبي غير رياضي، أي أن عدد السوريين فيها من المقيمين إلى تناقص، مع توجه سوريين إلى التفكير في الهجرة إلى كندا خاصة وفق نظام الكفالات الذي ترعاه جمعيات وكنائس مسيحية هناك.

لن يطول الوقت بنظام ترامب النافذ الآن حتى يتصالح مع المعارضة الشعبية والقانونية، ومع المؤسسات الحاكمة. وإذا لم تكن الدعاوى بمخالفة قانونه التنفيذي لنص الدستور الأميركي حاسمة، فإن احتجاجات وانتقادات شركات وادي السيليكون ستكون فاعلة، من آبل، إلى فيسبوك، ومايكروسوفت، فهي ترى أن تشتيت الموارد وحرمان أميركا من العقول الابتكارية المهاجرة خطر على الأمن القومي الأميركي أكثر من تخرصات ترامب، وأن الحلول متوفرة للحد من خطر المتطرفين والإرهابيين، والحل ليس في منع الآلاف من دخول أميركا خوفاً من أن يكون بينهم إرهابي واحد.

فطريقة سيستم يوك التركية غير المفهومة لا يمكن تطبيقها في مسقط رأس السيستم، واللجوء إلى إغلاق فيسبوك وتويتر في تركيا مع تعرض البلاد لأي خطر أمني، لا يمكن أن يكون طريقة ناجعة في البلد الذي يتجسس على كل شبكات الإنترنت في العالم خارج الأميركي، قبل الأميركي.

وفي الواقع، كانت أوروبا أكثر ذكاء في معالجة قضية اللاجئين والمهاجرين في سنوات الحرب على سوريا، على الرغم من امتلاكها يميناً صاعداً ومخيفاً، حيث أغرت تركيا بالمساعدات والوعود بإلغاء شرط “الفيزا” على سفر الأتراك دون أن تصدق سوى في دفع بعض الأموال، بعد أن أخذت مسبقاً ما تريده من الكتلة الديموغرافية التي تحتاجها أكثر من أي شيء آخر في ظل تراجع أعداد السكان في معظم دول أوروبا، فورطت بذلك تركيا في قرار لا تستطيع التراجع عنه بسهولة.

أما من حيث الأرقام فأوروبا وتركيا ربحتا في المتاجرة بالسوريين، وباللاجئين عموماً، في حين ازدادت حياة اللاجئين السوريين بؤساً بإغلاق تركيا الأبواب أمامهم حتى لزيارة أهاليهم وأقاربهم، ما يعني أن عليهم الانتظار لسنوات ليحصلوا على جنسية بلد اللجوء قبل أن يستطيعوا السفر إلى تركيا.

وفي النتيجة، لا فرق بين كلٍّ من سيستم الخدعة الأوروبية لتركيا، وغموض السيستم السياسي التركي، وسيستم ترامب في قراره منع رعايا سبع دول ذات غالبية مسلمة من دخول بلاده، ناهيك عن سيستم النظام الأسدي الذي ساق اللاجئين السوريين إلى مصيدة أصحاب السيستمات الثلاثة الأولى كضحايا لا يملكون دولة، أو حزباً، أو منظمة، أو جماعة ضغط، كي تدافع عنهم.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى