لو لمْ يؤكد البيت الأبيض بلسان المتحدث باسمه شون سبايسر بأن ما قاله وزير الخارجية ريكس تايلرسون وكررته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نكي هيلي، من أن الولايات المتحدة لا تركز على رحيل الأسد وأن لديها أولويات راسخة في سوريا والعراق في مقدمتها هزيمة «داعش»، يمثل و«بشكل قاطع» موقف الرئيس دونالد ترمب فلبقي فَهْمُ التصريحات، التي فاجأ بها هذان المسؤولان الأميركيان المعارضة السورية ومعظم المعنيين بالأزمة السورية إنْ ليس كلهم إنْ في هذه المنطقة الشرق أوسطية وإنْ في الغرب الأوروبي وإنْ في العالم بأسره، في إطار أنه لا ضرورة للتركيز حالياً على هذا الرحيل ما دام أنه سيكون «حتمياً» ومضموناً في حال تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي ينص على مرحلة انتقالية تُفضي إلى تشكيل هيئة ذات مصداقية واعتماد صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات برعاية أممية.
ولعل ما عزز هذه النظرة الآنفة الذكر إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تايلرسون التي دعا فيها إلى عدم التركيز على رحيل الأسد قبل أن يؤكد الناطق باسم البيت الأبيض بأن هذه التصريحات: «تمثل بشكل قاطع موقف الرئيس دونالد ترمب» أن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نكي هيلي قد قالت أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركية يوم الخميس الماضي، أي قبل أسبوع : «إن كلاًّ من الرئيس السوري بشار الأسد وإيران يشكلان عقبة كبيرة أمام محاولات المضي قدماً لوضع حدٍّ للنزاع في سوريا… وأنه حين يكون هناك زعيم مستعد للذهاب إلى حدِّ استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه فإنه لا بد من التساؤل عما إذا كان هذا الشخص يمكن العمل معه.. ومع العلم أنه إنْ لم تكن لدينا سوريا مستقرة فإنه لن تكون لدينا منطقة مستقرة وسيزداد هذا الوضع سوءاً… إنها، أي سوريا، تشكل مصدر تهديد دولي في الوقت الحالي ولذلك فإنه علينا أن نجد حلاًّ لها».
ولذلك واستناداً إلى هذا الذي قالته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة والذي لم تتحدث فيه ولو بإشارة عابرة عن عدم التركيز «حالياً» على إقصاء بشار الأسد فإن هناك من اعتبر أنَّ رحيل الرئيس السوري سيكون تحصيل حاصل في حال استهدف الأميركيون الوجود الإيراني في سوريا بالفعل وبخاصة إذا وافق الروس على مثل هذا الاستهداف الذي يبدو أنَّ إسرائيل لن تكون بعيده عنه إنْ هو تم فعلاً وحيث أكد سفيرها في موسكو غاري كورين أنها «جاهزة» للإقدام على عملية عسكرية في الأراضي السورية ضد حزب الله «والقوى الرديفة له» إذا شعرت بخطر حقيقي يتهددها.
وقال غاري كورين أيضاً حسب «الشرق الأوسط»: «إن النظام الإيراني كان مهتماً على الدوام بدعم سوريا وحزب الله واستغلالهما كأداتين لتهديد إسرائيل وردعها… إنَّ أراضينا تتعرض للقصف المتعمد أو غير المقصود من مختلف أنواع الأسلحة، ولذلك فإن جيشنا لن يقف مكتوف الأيدي وسيرد على ذلك.. إننا إذا ما تغير الوضع وشرع حزب الله وأيُّ ميليشيا شيعية أو إيرانية في حشد جبهة ثانية على مرتفعات الجولان فإننا لن نقبل بهذا الأمر حينها وسوف نرد بأسرع وقت ممكن».
وهنا فإن ما يجب التذكير به، ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة، أن بعض المعلومات كانت قد تحدثت عن أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تحدث يوم الأحد الماضي عن تطوير صواريخ إسرائيلية فعالة جديدة للدفاع عن إسرائيل ضد أي خطر محتمل، قد أجرى محادثات مطولة خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو مع فلاديمير بوتين حول الدور الذي من الممكن أن يقوم به الإسرائيليون في حال اندلاع حرب ضد الوجود الإيراني ووجود حزب الله على الأراضي السورية وبخاصة الأراضي المتاخمة لجبل الشيخ وهضبة الجولان المحتلة.
وهكذا فكيف بالإمكان يا ترى الحديث عن عدم التركيز على تنحية بشار الأسد وعن أنه، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر: «يوجد واقع سياسي علينا أن نقبله فيما يخص موقفنا الآن» طالما أن الولايات المتحدة، كما يقول المسؤولون الأميركيون، معنية باستهداف الوجود الإيراني في سوريا، وذلك بالإضافة إلى أولوية هزيمة تنظيم «داعش»… التي، كما هو واضح، باتت تأتي في مقدمة الأولويات الأميركية بالنسبة للأزمة السورية؟!
وهنا فإن السؤال المحير فعلاً ونحن بصدد استعراض هذه التطورات المستجدة هو: ما الذي جعل دونالد ترمب يتخلى عن العديد من المواقف الأميركية المعلنة المتمسكة بعدم القبول بأي وجود لبشار الأسد في مستقبل سوريا؟!
والجواب الذي يرجحه أميركيون كثيرون هو أن التعليمات بهذا الخصوص قد جاءت إلى الرئيس الأميركي الجديد، الذي تجري الآن تحقيقات متواصلة بشأن أي علاقة محتملة له بالروس قبل فوزه بمعركة الانتخابات الرئاسية، من فلاديمير بوتين الذي بقي يصر ومنذ بداية الأزمة السورية على أنه إما «داعش» وإما بشار الأسد وأن الأولوية هي للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي!!
والواضح بل المعروف أن ترمب لم يخف إعجابه، «المنقطع النظير» بالرئيس الروسي وأنه لم يكف إنْ قبل الفوز بالانتخابات الرئاسية وإنْ بعد ذلك، عن مواصلة «التغزل» به والتقرب منه وأنه يتفق ما مارين لوبان المرشحة للرئاسة الفرنسية في أن بوتين يمثل رؤية جديدة وأنه ظهر عالم جديد خلال السنوات القليلة الماضية هو عالم فلاديمير بوتين وعالم دونالد ترمب وأيضاً عالم رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي وبالطبع وعالم هذه اليمينية الفرنسية المتطرفة.
لكن، وهذا يجب أن يقال هنا وفي هذا المجال، أن للقائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الجنرال جيمس جونز رأياً آخر بالرئيس الروسي وهو أنه، أي فلاديمير بوتين، ليس إستراتيجياً على الإطلاق ولكنه ماهر في اقتناص الفرص واغتنامها.
والمشكلة أنه لدى التدقيق في هذا الجديد الذي يطالب الأميركيون المعارضة السورية والعرب به، فإننا لا نجد سوى ارتكاب نظام بشار الأسد للمزيد من الجرائم ولا نجد إلا استمراره بعمليات التفريغ السكاني وعلى أسس دينية وطائفية وإلاّ تعاونه الواضح والمكشوف مع «داعش» هذا التنظيم الإرهابي الذي تقول الإدارة الأميركية الجديدة أن الأولوية بالنسبة إليها أصبحت للقضاء عليه.
وأيضاً فإنه لدى التدقيق في هذا الجديد السوري فإننا لا نجد إلا أن هذا الـ«داعش»، المتحالف مع نظام بشار الأسد ومع الإيرانيين والذي يواجه هو وعملياته بسكوت روسي، والسكوت علامة الرضى كما يقال، لا يزال يسيطر على 41 في المائة من الأراضي السورية وكل هذا في حين أن المعارضة السورية بفصائلها المعتدلة والمتطرفة تسيطر على مثل هذه النسبة بينما يسيطر الروس والإيرانيون وحزب الله وعشرات التشكيلات الطائفية المستوردة على معظم ما تبقى من سوريا وبحيث لم يبق لهذا النظام السوري إلا بقع متناثرة صغيرة في المنطقة التي أطلق عليها رئيس هذا النظام اسم : «سوريا المفيدة».
وهكذا وفي النهاية فإن المفترض أن دوافع تمسك الروس ببشار الأسد واضحة ومعروفة، أما دوافع مطالبة الأميركيين للمعارضة السورية بالاعتراف بـ «الواقع الجديد في سوريا» فإن هذا غير معروف وغير مفهوم مما يرجح ما يقال عن أن السر في هذا المجال موجود في موسكو.. عند فلاديمير بوتين.
المصدر : الشرق الأوسط