بعد هجمة إسرائيل الصاروخية على مصانع وصفت بأنها حساسة في سوريا وتدميرها قبل حوالي أسبوعين، وهو هجوم متكرر تحول إلى روتين على قوات النظام، دار حديث عن رد متوقع من النظام على العدوان، وهذا ما لم يصدقه سوى بعض الشبيحة والأغبياء، الذين ما زالوا يؤمنون بقدرة النظام على الرد على غير شعبه، حتى لو توفرت النية لذلك.
وبما أن الرد لم يأت كالعادة رغم الضربة المؤلمة، فقد سُرّب عوضا عنها نبأ جاء فيه أن روسيا هي التي طلبت من النظام عدم الرد، فلماذا يا ترى هذا الخبر وما الغاية من تسريبه؟ ببساطة، المقصود هو أن يفهم البلهاء أن النظام كان سيرد، ولكن حليفه الروسي، الأخ الكبير، هو الذي طلب عدم الرد لأسباب تكتيكية، وطبعا لا مزاح مع طلب روسي كهذا، والهدف حفظ ماء وجه النظام، فهو يتوهم أنه ما زال في وجهه ماء يجب عليه حفظه.
جاءت صفعة بيبي تلبية لساديته المفرطة، خصوصا وهو يخضع وزوجته لتحقيقات بالرشوة والفساد، وثانيا هو لم يطق رؤية النظام يعلن عن انتصارات وفتوحات جديدة على الأرض السورية، بدعم من قوى عالمية وإقليمية بما فيها إسرائيل نفسها، وهذا ما صرح به قائد أركان جيش الاحتلال الجنرال أيزنكوت، في لقاء أجرته معه صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشر يوم أمس الأربعاء، عشية رأس السنة العبرية، حيث قال إننا ساعدنا ونساعد في الحرب ضد «النصرة» و«داعش» بمعلومات مخابراتية قوية نقدمها للدول المحاربة على الأرض السورية، وعلى رأيه فإن قصة «داعش» طويلة ولم تنته بعد، هذا يعني أن نقل «داعش» محتمل من مكان إلى مكان لمواصلة تدمير المنطقة، وحيث ممكن ظهور براعم ثورة على الأنظمة، فما زال الكثير مما يمكن عمله بهذا المسخ الذي يسمى «داعش».
هذا يعني أن التعاون الروسي الإسرائيلي في سوريا أكبر من أن تشوّشه غارة كهذه، ويعني أن لإسرائيل حقا مثل روسيا في «انتصارات» الأسد على الثورة التي سرقت، ثم على «داعش»، ومن هنا حقها بصفعه متى رأت أن مصلحتها تتطلب ذلك. صفعة إسرائيل للنظام جاءت لتذكره بفضلها ببقائه، ولتقول له إياك أن تنسى مهمتك في حفظ الهدوء على جبهة الجولان، ولهذا ساعدناك، وإياك أن تلعب بذيلك فإيران لن تحميك، ولا الـ«إس إس 300 و400» الروسية.
واضح وجود تفهم من قبل بوتين لهذا النوع من الهجمات، لأنها موجهة لما تعتقد إسرائيل أنها مصانع سلاح دمار شامل ممنوع أن يملكه غيرها في المنطقة، من حقها تدميره. كذلك لمنع تأسيس أي قاعدة إيرانية أو حزب لاتية قريبة من جبهة الجولان، على الأقل لمسافة أربعين كيلومترا قد تشكل تهديداً في يوم ما أو ورقة ضغط عليها، وهي تعمل بمنطق اقتلوا بعضكم بعضا وسنساعدكم على ذلك، ولكن إياكم والاقتراب من طرف إسرائيل. في هذه المعادلة ممكن فهم إرسال الطائرة المسيّرة التابعة لحزب الله من الأراضي السورية، وهي ليست المرة الأولى التي ترسل فيها بعد غارة إسرائيلية في العمق السوري، فهي تدخل هذه المرة أيضا في إطار حفظ ماء وجه النظام وحليفه حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وليس رداً حقيقيا موازيا أو يقترب من حجم الهجوم الإسرائيلي، الذي دمر مصانع وقتل جنوداً بمئات كيلو غرامات من المواد المتفجرة. الطائرة المسيّرة تقول للواهمين بأن النظام يقاوم، وها هو قد رد حسب قدرته وإمكاناته، ولكن يا لسوء الحظ فإسرائيل مسلحة بصواريخ باتريوت المتقدمة، فكشفتنا وأسقطتنا، والنكتة أن بعض الشبيحة يعتبرون هذا نصرا لأن ثمن الباتريوت أغلى بكثير من الطائرة البسيطة المسيرة، وكأن إسرائيل دفعت يوما ثمن هذه الصواريخ التي يدفع ثمنها نفط العرب بصورة غير مباشرة. هذه الطائرة قالت للقيادة العسكرية في إسرائيل… نحن غير راضين عن هذا الهجوم المحرج، ولكننا لا نسعى إلى التصعيد، إنه رد فقط لأجل حفظ ماء الوجه، كما ترون ونأمل تفهمكم.
هذا الضعف هو خزي وعار لمن يحارب شعبه سنين طويلة، ويبث انتصارات في الفضائيات، ويحتفي بقصفه للمدن والقرى السورية بصواريخ الجراد والمدفعية الثقيلة والطائرات الروسية، في وقت يجبن فيه عن رد حقيقي موجع على عدوان من يحتل أرضه منذ نصف قرن، علما أن القانون الدولي يسمح له بمحاولة استرداد أرضه بكل الوسائل، نعم فمن يحكم شعبه بالحديد والنار والكيمياء وبفزعة من القوى الأجنبية ومخابرات العالم سيبقى مكسر عصا وملطشة لمن يشاء، وكل حديثه عن الممانعة في وجه العدوان حتى لو قصد ذلك فعلا، يبقى رعدا بلا مطر لأنه عاجز أصلا. مقابل هذا العجز والتهالك نرى الفاشي نتنياهو يصول ويجول على منصة الأمم المتحدة، ويمثل دور عاشق الحرية والإنسانية، فيتحدث عن حق الشعبين السوري والإيراني بالحرية، وهو الذي يقود أشرس حملة لقمع الشعب الفلسطيني ومصادرة وطنه وهدم بيوته وتهجيره، بل يتهم العالم بالنفاق لأنه صمت وتواطأ مع جرائم الأسد، ويتهم اليونسكو بالعدوان على حق اليهود في الخليل بقبور أجدادهم وجداتهم، ثم يهدد إيران لأنها تسعى للتسلح النووي، في الوقت الذي تملك إسرائيل الفرن الذري الأقدم على صعيد العالم كله، والذي بات خطرا على الناس من اليهود والعرب في النقب والضفة الغربية والأردن، بسبب تعب المادة بعد حوالي ستة عقود من العمل المتواصل.
نعم هذه هي الحقيقة البســـيطة، من يقمع شعبه لا يستطيع أن يقاوم محتلا ولا أن يحرر وطنا، وأما حزب الله فلا أحد يستهتر بقوته وخبرته المتزايدة وسلاحه ومحاولات تطويره، ولكن أشك في أن الكثيرين من أبناء طائفته يتساءلون اليوم وسوف تزيد وترتفع أصواتهم، لماذا كل هذا الموت لشبابنا في سوريا؟ ولحساب من وماذا حققنا بهذا كأبناء طائفة ولبنانيين وكعرب ومسلمين وبشر؟
المصدر : القدس العربي