كثير من دول العالم الثالث تشغل نفسها بصناعة مزيد من العبيد، لأجل بناء مزيد من الأهرامات التي في نهاية الأمر تسكنها أجساد الملوك المحنطة، ولكن الفارق هو أن قدماء المصريين كانوا يقفلون الأهرامات، بعد ترك الملك الراحل هناك، ثم يعودون ويصنعون ملكاً جديداً، لكي يكتب لهم تاريخاً جديداً، على نقيض رؤسانا الذين بعد تحنيطهم ودفنهم تحت أطنان من التراب، غير أنهم يستمرون يحكموننا من داخل قبورهم.
قد لا تكون مشكلتنا في البحث عن الحلول، بمقدار ما هي الإجابة على سؤال أهم، وهو أين هي الأزمة التي تعيد تكرار وصناعة الأزمات من جديد؟ وبتقديري هذا هو جوهر مشكلتنا التي نعيشها اليوم، والتي تتمثل في أننا نصنع العجز وراء العجز، وكلما حاولنا إنتاج بديل لحالة العجز، كان المقبل أكثر بؤساً من قبل أو يشبهه تماماً.
في المشهدين اليمني والعراقي قد تبدو الأيدي الخارجية واضحة تماماً، ولا ننفي بالطبع عامل الانقسام الداخلي، ولكن في المشهد السوري، على الرغم من كل ما قيل، فهناك صورة مختلفة تماماً، فهناك حالة انقسام عجيبة، وفوضى معقدة، خصوصاً الإسلامية منها، التي لا تستطيع أن تعرف لماذا تتقاتل، وكيف تتفق، ولا تدري إلى أين تسير، فقد حطمت سوريا بالتأكيد الرقم القياسي العالمي بعدد فصائل المعارضة على الأرض، إذ لم يسبق لشعب أن أنتج مئات الفصائل، التي أغلبها يعلن هدفاً واحداً، لكنها تتركه وتشغل نفسها ببفك دماء بعضها بعضا إلى درجة الجنون، وأغلبها يعيد تكرار ما قاله الفرعون الأكبر «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». وأغلبها في نهاية المطاف يرى الناس من حوله مجموعة من العبيد التي وظيفتها بناء الفصيل التابع له، وتشييد أسوار مملكته الصغيرة، التي لا تتجاوز أحياناً القرية الواحدة.
في المشهد السوري هناك حالة طريفة، فأغلب الفصائل التي ظهرت، تجدها بعد كل أزمة تعمل على تقديم نفسها، على أنها يوسف الذي ألقاه أٌخوته في البئر، وأنها لا ذنب لها بما يحصل، بينما الواقع يقول، إن يوسف الذين يتحدثون عنه، ألقيناه منذ زمن بعيد في الجبّ، قبل أزمة سوريا، وقبل كل الأزمات الجديدة التي تعصف بالمنطقة.
أيها السادة: كلكم أخوة يوسف.. وأما يوسف، فنحن لا ندري أين هو، فقد يكون ركب في أحد زوارق الموت وأصبح لاجئاً في دولة أجنبية، وقد يظهر ذات يوم ليمنح أهله بعض الأمل.
أيها السادة: نحن بحاجة الى إعادة إنتاج أجيال تبدأ بفكرة العفو في كل الدماء التي نزفت، وطي صفحة الثأر والاستعانة بقوى إقليمية ودولية، لأننا إذا عجزنا عن حقن دمائنا، فليس من العيب أن نطلب من الآخرين تضميد جراحنا.
يا اخوة يوسف.. أوقفوا هذه الحرب رحمة بأبيكم ورحمة بيوسف، الذي قد يعود يوماً.
المصدر : القدس العربي