يشهد الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران الحالي، حدثاً تركياً على مستوى كبير من الأهمية، يتمثل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرّر أن تنقل هذا البلد إلى الرئاسة التنفيذية، لتحل محل نظام الحكم البرلماني القائم حاليا، وبذلك تتبع تركيا النظام الرئاسي، وتلغي منصب رئيس الوزراء. ويأتي هذا التحول الكبير وفقا للاستفتاء على التعديل الدستوري الذي جرى في إبريل/نيسان من العام الماضي، وفاز فيه مشروع تحويل تركيا إلى الوضع الجديد الذي يشبه الولايات المتحدة، من حيث هيكلية قيادة الدولة، ومنح الرئيس صلاحيات رئيس الحكومة، بالإضافة إلى صلاحياته التي أعطاها له الدستور القديم.
يُجمع المسؤولون الأتراك من حزب العدالة والتنمية (الحاكم) على أنه لن تكون هناك مشكلة في فوز الرئيس، رجب طيب أردوغان، بولاية رئاسية جديدة، وهناك من يضع نسبة تصويت لصالحه تقارب تلك التي فاز بها التعديل الدستوري، أي في حدود 52%. وهي، على العموم، نسبة تعكس، إلى حد كبير، حال الخارطة السياسية الراهنة، وتوزّع مراكز القوى التي تبلورت بوضوح في الحملة من أجل الاستفتاء الدستوري، واستمرت، حيث يتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية في وجه معارضةٍ يشكل حزب الشعب الجمهوري أكبر قوةٍ فيها، لكنها غير متفقةٍ على برنامج عمل واحد، فيما يتعلق بمواجهة الاستحقاقات الأساسية، ويتبين هذا بوضوح في العجز عن تقديم مرشح موحد ينافس أردوغان في سباق الرئاسة.
ما يميز تركيا الجديدة بعد الانتخابات، أنها ستكون مطبوعة أكثر بأسلوب عمل أردوغان الذي سيكون أمامه فترة ولايتين رئاسيتين، حسب التعديلات الدستورية (10 أعوام)، وسيتعمق أكثر فأكثر خطه وأسلوبه في الحكم وإدارة الدولة. وعلى الرغم من أنه لم يلق معارضة فعلية خلال ولايته الرئاسية الحالية التي بدأت في عام 2014، فإنه سيكون طليق اليد، ويمتلك هامشا أكبر من الحرية في الداخل والخارج، وهذا يعني أن تركيا مرشحةٌ لنقلات كبيرة في السياسة والاقتصاد على يد رجلٍ لديه تجربة غنية في العمل والقيادة، فقد سبق له أن تولى مهام عمدة لبلدية إسطنبول، ورئاسة الوزراء، ومن ثم وصل إلى رئاسة الدولة، كما أنه صار متمرّسا في التحالفات السياسية، وإدارة لعبة السلطة والمعارضة.
وعلى الرغم من أن أردوغان يبدو في وضعٍ مريح نسبيا، لكنه في الطريق إلى تركيا الجديدة التي يطمح إليها خلال العقد المقبل، هناك تحدياتٌ عديدة عليه أن يواجهها، ويعد أكبرها تجاوز مخلّفات محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 التي نفذتها حركة الخدمة بزعامة فتح الله غولن. سيكون عليه احتواء الآثار المترتبة على محاولة الانقلاب تلك، بسبب امتدادات حركة الخدمة في المجتمع التركي، وهذه مسألة لا تحتاج زمنا فقط، بل أيضا خطوات عملية لمعالجة التصدّعات الكثيرة التي أحدثتها محاولة الانقلاب في الدولة والمجتمع.
والتحدي الثاني الذي لا يقل ثقلا هو الحالة الكردية التي تفاقمت في الأعوام الأخيرة، بسبب وصول الحوار بين الدولة وحزب العمال الكردستاني إلى طريق مسدود، بعد أن كانت التسوية قد قطعت شوطا كبيرا قبل خمس سنوات. والواضح اليوم أنه ليست هناك مؤشرات للعودة إلى الحوار في ظل الحرب الدائرة بين الدولة التركية والحزب، والتي استدعت تدخلا عسكريا تركيا في عفرين، وربما في مناطق أخرى من الشمال السوري.
تبقى المسألة السورية من التحديات الرئيسية التي تواجه أردوغان داخليا وخارجيا. على المستوى الداخلي، يظل ملف اللاجئين السوريين قضية مفتوحة، وعلى الرغم من أنه تحت السيطرة، فهو يشكل معضلةً كبيرة للدولة التركية التي أدارته بنجاح حتى الآن. ولكن الهم الأكبر يبقى مرتبطا بمآلات الوضع السوري، في ظل التعقيدات المحلية والدولية. وفي هذا تشكل تبقى تركيا لاعباً رئيسياً.
المصدر : العربي الجديد