مقالات

ميشيل كيلو – إشكالات الدعم والحل

يبحث الروس عن دعم مالي غربي وخليجي لإعادة الإعمار في سورية. ويقفزون ببحثهم عن الاشتراطات التي وضعها الغرب، لتقديم عونه المالي، وتتوقف على نوع الحل السياسي الذي تريد موسكو الوصول إليه، ويرجّح أن يكون بدون بشار الأسد، فإن لم يرحل في بدايته كان رحيله مسألةً من غير الجائز أن تتخطّى نهاية ولايته عام 2021.

هل يطلب الروس الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، لأنهم توصلوا إلى تفاهم دولي مع أميركا بشأن الحل، ويريدون كسب الوقت، والبدء بإعادة إعمار البيوت التي دمّرتها طائراتهم على رؤوس ساكنيها، كي لا يرى العالم حجم الجريمة التي ارتكبوها ضد الآمنين، قبل أن ترحلهم عصابات الأسدية عنها؟ أم أنهم قرّروا إعادة الإعمار التزاما بسياساتهم التي انتهكت مسار الحل الذي أقرّته وثيقة جنيف، والقرارات الدولية للحل، وأخذت بمساراتٍ لم تقرّرها التوافقات الدولية أو منظمة الأمم المتحدة، ألغت “الهيئة الحاكمة الانتقالية” و”الانتقال الديمقراطي”، لأن تأسيس الأولى والشروع بالثاني يطيح الأسدية، أشخاصا ونظاما، وشنّت لإلغائهما أو تعطيلهما حربا تنتهك القانون الدولي والإنساني، من دون تفويضٍ من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، استخدمت فيها أسلحة فتاكة ممنوعة دوليا ضد ملايين الآمنين، بعد أن قامت بغزو من النمط الاستعماري لسورية، سوّغته بطلب مزعوم من رئيس مزعوم، فقد شرعيته بجميع معايير الوطنية والإنسانية، بما ارتكبه من جرائم جماعية ضد مصدر شرعية أي حاكم أو دولة: الشعب السوري الذي استحق الإبادة بيد موسكو، لأنه طالب بحريته، بعد استعباد سياسي دام قرابة ستة عقود.

هل ستتقيد روسيا برؤيتها لإخراج الشعوب من أوضاع تستوجب الثورات، بواسطة إصلاحات تقوم بها الحكومات؟ وأي حكومة هي التي ستقوم بالإصلاح، في حال صدق الروس، وكان هناك إصلاح؟ هل هي حكومة الذي قتل مليونا من السوريين، وشقّهم إلى معسكرين، وظيفة أحدهما إبادة الآخر؟ أم هي حكومة الانتقال الديمقراطي التي ألزمتها وثيقة جنيف بإصدار دستور يرسم ملامح دولته؟ أم هي أخيرا الحكومة التي ستنفذ التزامات الأسدية بوضع سورية تحت إشرافهم وإلحاقها بهم، وإن لم يكن الأسد على رأسها؟

إذا كان المعيار الذي سيعتمده الروس هو قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يحبونه، فإنهم سيرغمون على قبول حكومةٍ لا تتبع لاستعمارهم أو تخضع له، تنجز إصلاحا يطيح الأسدية نظاما وعصابات، لأنهم لن يحصلوا بدونها على تمويلٍ لإعادة الإعمار التي يستبعد أيضا أن تتم بإشرافهم، أو يكون لهم الإسهام الأكبر في تنفيذها. ماذا سيختار الكرملين لمواجهة ورطة خصمه فيها، ليس المعارضة السورية المتهالكة، بل هو واشنطن التي تقصر سياساتها الدولية، بعد انتخاب ترامب على سلب الدول الأخرى أموالها؟

هل ستسعى روسيا، هذه المرة أيضا، إلى تطبيق الخطة التي سارت عليها بعد عام 2012، وقامت على خلط الأوراق والأولويات، والتلاعب بقرارات المجتمع الدولي؟ وهل تمهد اليوم أيضا لتقديم إعادة الإعمار على الحل الذي يفترض أن يسبقها، استغلالا لرغبة السوريين السياسية في العودة إلى وطنهم، ولابتزاز العالم ماليا والتهرّب من مسؤوليات السلام، بعد أن تقيدت بنسبة مائة بالمائة بالتزامات الحرب.

تطرح موسكو قضايا ما بعد السلام كأنها قضايا روسية، ليست سورية، ولا تعني السوريين. في هذه الأثناء، يرجوها من تحتقره وتستخف به في كل لقاء يجمعه ب “قيصرها” أن يحتل جيشها سورية إلى فترة غير محدّدة، بما أن مصيره يتوقف على تفاهم دولي وكلمة منها، بعد أن ذبح نفسه باليد الآثمة التي ذبح بها شعبه.

المصدر : العربي الجديد

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى